الأعمال الكاملة لمؤلفات الجاحظ
(0)    
المرتبة: 25,616
تاريخ النشر: 01/01/2002
الناشر: دار ومكتبة الهلال
نبذة نيل وفرات:إن آثار الجاحظ تنطوي على قيمة فكرية ترجع إلى الشمول والأصالة. لقد فكر في جميع المسائل التي تصادف الإنسان، وأصدر حولها العديد من الآراء المنهجية والتعميرية العديدة. إن نظريته في المعرفة مميزة انفرد بها عن سائر المتكلمين والفلاسفة، وقد أسهم في أبحاثه الجمالية بوضع أسس علم البيان في العربية، ...وقدم ملاحظات طريفة فيما يتعلق بعلم نفس الحيوان وتأثير البيئة والتطور، وصاغ نظرية خاصة في الإمامة. أما الطابع العقلي عند الجاحظ، فهو واضح القسمات في كتاباته. لقد كان معتزلياً يحكّم العقل في ما يبحث، ويخضع الأشياء والأمور للنقد، ويجعل الشك طريقاً إلى اليقين، ولا يروي غليله إلى الحقيقة سوى العيان والخبر الصادق الذي يثق به العقل. وإذا كان يسلم بأحكام الدين كما وردت في القرآن والسنة، فلاعتقاده أن العقل عاجز عن كنه صفات الله وماهيته، فهو يعرفه معرفة وجود لا معرفة إحاطة، ومع ذلك نلفي الجاحظ يفسر آيات القرآن على ضوء العقل ويرفض الكثير مما لا يقبله العقل من أساطير وخرافات تتعلق بالجن أو الإنسان أو الظواهر الطبيعية.
بناء على هذا، نعني بالمناحي الفلسفية عند الجاحظ تلك الاتجاهات الفكرية التي تنطلق من ميدان الفلسفة لا من ميدان الأدب. ذلك أن الجاحظ لم يكن أديباً قط، وإنما كان مفكراً أيضاً؛ اشرأب بنظره إلى ما بعد آفاق الأدب، فأطل على ميادين الفلسفة المختلفة من طبيعيات وإلهيات وجماليات وأخلاقيات واجتماعيات، وراح يراقب ما يعترك في ساحتها من مذاهب، وما يحتدم عندها من جدل، ودفعه فضوله إلى إبداء آرائه حول مسائل الفلسفة الأساسية. وقد نثر تلك الآراء في تضاعيف كتبه، ولم يقدم على جمعها في صيغة المذهب الفلسفي على نحو ما تعهد عنه كبار الفلاسفة.
وبين يدي القارئ مجموعة من آثار وتآليف الجاحظ التي تلقي ضوءاً على نزعاته الأدبية والفكرية والسياسية والجمالية والحياتية والفلسفية. فهذا أولاً كتاب "رسائل الجاحظ" ويتضمن عشر رسائل من مؤلفاته السياسية العديدة. وتدور الرسائل حول ست مسائل أساسية. المسالة الأولى، هي مفهوم السياسة وأصولها وطريقة إقامة الرئيس؛ المسألة الثانية، هي الوطنية؛ والثالثة، هي الصراع الحزبي الذي شغل ثلاث رسائل: العثمانية والحكمين رد العباسية؛ والمسألة الرابعة، هي الصراع القبلي المتمثل بالمنافسة القديمة التي ترقى إلى العصر الجاهلي بين بطنين من بطون قريش على الحكم هما عبد شمس وهاشم؛ والمسألة الخامسة، هي الشعوبية؛ والسادسة والأخيرة، تعتبر ملحقة بالسياسة لأنها تدور حول عمل الموظفين الذين يساعدون الخليفة في إدارة الدولة وهم الحجاب والكتاب.
ومن مؤلفات الجاحظ في هذه المجموعة: "الحيوان"، و"البيان والتبيين"، وهذا يعدّ من أضخم مؤلفاته وهو يلي كتاب "الحيوان" من حيث الحجم، ويربو على سائر كتبه. وإذا كان كتاب "الحيوان" يعالج موضوعاً علمياً فإن كتاب "البيان والتبيين" ينصب على معالجة موضوع أدبي. ولكن الجاحظ في هذين الكتابين، شأنه في جميع كتبه، ينحو منحى فلسفياً، فهو لا يقتر في كتاب "الحيوان" على أخبار الحيوانات وخصالها وطباعها، بل هو يتطرق إلى موضوعات فلسفية كالكمون والتولد، والجواهر والأعراض، والجزء الذي يتجزأ والمجوسية والدهرية إلخ. وفي كتاب "البيان والتبيين" لا يكتفي الجاحظ بعرض منتخبات أدبية من خطب ورسائل وأحاديث وأشعار، بل يحاول وضع أسس علم البيان وفلسفة اللغة.
وتجدر الإشارة إلى أن هذه الناحية الفلسفية من آثار الجاحظ هي التي حدت الدكتور علي بو ملحم على تأليف كتابه "المناحي الفلسفية عند الجاحظ"، التي جاء ضمن تلك المجموعة، كما أن الدكتور بو ملحم قام بإعادة النظر في رسائله العديدة، بالإضافة إلى كتاب "المحاسن والاضداد" وكتاب "البغال" ليخرجها في هذه الطبعة الجديدة لضمها جميعاً والتي تمتاز بالتبويب الدقيق وبالمقدمات والشروحات الوافية.
بالإضافة إلى ما قدمه الدكتور علي بو ملحم والذي جاء ضمن هذه المجموعة التي بين يدي القارئ هناك من آثار الجاحظ كتاب "البخلاء" الذي يأخذ أيضاً في بعض مناحيه طابعاً اجتماعياً نقدياً، فهو يصور أحوال فئة من الناس اتخذت لنفسها منهجاً معيناً في التفكير والتصرف والسلوك، وباتت مقتنعة به اقتناعاً كاملاً تبددت في ظله كل الأشياء الأخرى، فإذا البخل واقعهم ومفهومهم وحياتهم التي يسيرون عليها، محاولين إسدال ستار من العلم عليه. وقد كان الجاحظ في كتابه "البخلاء" عالماً شأنه في جميع مؤلفاته كان عالماً طبيعياً في كتابيه "الحيوان" و"البغال"، وعالماً نقدياً في "البيان والتبيين"، وعالماً في السياسة في رسائله السياسية، وفيلسوفاً في سائر كتبه. وها نحن به عالماً اجتماعياً وناقداً في كتاب "البخلاء"، يدرس أحوال الناس من خلال سلوكهم ومعاشهم، يحلل أوضاع طبقة من المجتمع العباسي تأثرت بعوامل طارئة جديدة. إقرأ المزيد