تاريخ النشر: 01/01/2000
الناشر: دار الأندلس للطباعة والنشر والتوزيع
نبذة نيل وفرات:الشرق موطن الأمثال والحكم القصيرة والكلمات العامرات بمعاني "الحكمة في الحياة" على حد تعبير شوبنهور. فهو يقدس "الكلمة" بالمعنى الأتم لهذا اللفظ ذي التاريخ الحافل في الأديان الشرقية كلها، وبخاصة في اليهودية ممثلة في فيلون، والمسيحية كما رسمها مستهل "الإنجيل الرابع" المنسوب إلى يوحنا، والإسلام كما بلغ أوج صورته ...الثيوصوفية في مذهب محي الدين بن عربي. ومن هنا كانت أكثر الكتب رواجاً في الفكر الشرقي عامة كتب الكلمات القصيرة الحكمية: سواء أكانت في صيغة مناجاة أم كانت على هيئة نثر مطرد الفقرات وآية هذا المكانة الكبرى التي لـ"مزامير داوود" وسفر "الأمثال"، و"الحكمة" ليشوع بن شيراخ و"الجامعة" المنسوب إلى سليمان-من بين أسفار "العهد القديم" عند اليهود، وكتب الـ"أندرزها" الإيرانية التي انتشرت في إيران قبيل الإسلام وبعده بقليل. بل إن العقل الشرقي لم يستطع أن يهضم الفلاسفة اليونانيون إلا بعد أن وضعت لهم -انتحالاً في أغلب الأمر- أمثال وجمل حكمية قصيرة عنب بإيرادها كثير من كتب "الممل والنحل" و"نوادر الفلاسفة" في الإسلام، كما يشاهد خصوصاً في كتاب "الكلم الروحانية في الحكم اليونانية" لأبي الفرج بن هندو (المتوفى سنة 420هـ/1029م)، وفيما أورده قبله وبعده كثير من الكتاب مثل الجاحظ وأبي بكر محمد بن زكريا الرازي وأبي حيان التوحيدي وأستاذه أبي سليمان السجستاني في كتاب "صوان الحكمة".
والكتاب الذي بين أيدينا الآن، كتاب "جاويدان خرد"، الذي اختار ما فيه أبو علي أحمد بن محمد بن يعقوب الملقب بـ "مسكويه"، قد استودع طائفة ممتازة من الحكم الشرقية الخالصة: الإيرانية، والهندية، والرومية الشرقية المنحولة، والعربية والإسلامية. وفيه -من أجل هذا- خير مرآة للروح الشرفية عامة، وروح الحضارة العربية السحرية- بالمعنى الذي لهذا اللفظ عند اشبنجلر بخاصة، ممثلة في ذلك النوع الأدبي الذي يعد خير معبر عن حقيقة تلك الروح.
ونستطيع أن نلخص الملامح البارزة لهذه الروح كما نستنبطها من هذه المجموعة من الحكم على النحو التالي: 1-أن للـ"كلمة" سحراً خاصاً في الروح الشرقية، تستهويها وتجد فيها العزاء عن الواقع الأليم الذي تحيا فيه تاريخياً. 2-وثاني الملامح البارزة للروح الشرقية من خلال هذه المجموعة التي بين أيدينا هي ما صاحب هذا الطغيان السائد في الحكم في الدول الشرقية من صنائع يحتفلون له نفاقاً ومداراة وطمعاً في الجاه بأرخص الأثمان. 3-أن الهوة الكبرى بين الروح والبدن في ذهن الروح الشرقية تسيطر على توجيهها في الأمور التي تعالجها، ولهذا لم تستطع أن تصل إلى هذه المرتبة من الانسجام القوي الحي الذي كان المثل الراسخ في الروح اليونانية. ولهذا ترى ها هنا مبالغة شديدة في توكيد جانب الروح وتحقير البدن، حتى ليخشى من وراء الانسياب في تيار هذه الحكم أن ينصرف الإنسان إلى نوع من الزهد السلبي والعزوف الكظيم عن شؤون الحياة. فها هنا إذن مزلق خطر كبير لا بد من تداركه. إقرأ المزيد