تاريخ النشر: 01/01/2005
الناشر: مؤسسة الإيمان، دار الرشيد
توفر الكتاب: نافـد (بإمكانك إضافته إلى عربة التسوق وسنبذل جهدنا لتأمينه)
نبذة نيل وفرات:لم تكن تلك الليلة مقمرة، ما هذه الليلة! لقد ارتعد قلبي خوفاً في تلك الممرات الضيقة الواقعة بين صفين من القبور، وجلست على أحدهما، لأنني لم أعد أقوى على السير أكثر من ذلك، فقد كانت ركبتاي ضعيفتين، واستطعت أن أسمع ضربات قلبي! وسمعت شيئاً آخر أيضاً ماذا؟ إنه صوت ...ضجيج غامض مضطرب. ترى هل كان ذلك الضجيج في رأسي، أم في الظلام الحالك، أم تحت الأرض الغامضة؟ ورحت أنظر من حولي، لقد شللت من الذعر والبرد والخوف ولم يبق لي أمل سوى الصراخ أو الموت. وفجأة بدا لي أن البلاطة الرخامية التي كنت أجلس عليها كانت تتحرك، وكأنها كانت ترتفع فطرت إلى القبر المجاور بقفزة واحدة، وشاهدت بوضوح الحجر الذي ابتعدت عنه لتوي وهو يرتفع للأعلى.
بعد ذلك ظهر الميت يرفع الحجر الذي يغطيه بظهره المنحني، لقد شاهدته بوضوح كامل، على أن تلك الليلة كانت حالكة الظلام، واستطعت أن أقرأ على الشاهدة: يرقد في هذا القبر جاكس أوليفانت الذي مات وهو في الحادية والخمسين من العمر لقد أحب أسرته. وكان لطيفاً وشريفاً، ومات في حب الرب، وقرأت أيضاً ما كان مكتوباً على الشاهدة ثم التقط حجراً صغيراً حاداً من الممر، وبدأ يحك الحروف بعناية وببطء طمسها كلها، ونظر بعينيه المجوفتين إلى المكان الذي كان قد نقش عليه وصفه وبدأ بعد ذلك يكتب بالعظمة الرأسية لإصبعه بحروف واضحة: هنا يرقد جاكس أليفانت الذي مات وهو يناهز العام الحادي والخمسين، لقد استعجل وفاة والده وتمنى أن يرث ثروته، وبدأ يعذب زوجته، ويغش جيرانه ويسلب كل إنسان يستطيع سلبه ثم مات بائساً.
ثم وقف الميت دون حراك بعد أن انتهى من الكتاب. ألتفت من حولي فوجدت القبور جميعها مفتوحة وانبثق منها الموتى جميعهم، وراحوا يطمسون ما سطر على شواهدهم، لما وصفهم به أقرباؤهم واستبدلوا تلك السطور بالحقيقة.
رأيت أن جميعهم كانوا مؤدين لجيرانهم، غشاشين مماطلين منافقين كذابين وأشراراً، كانوا يسرقون ويخدعون ويقومون بكل عمل شنيع، هؤلاء هم الآباء الطيبون، هؤلاء هن الزوجات المخلصات هؤلاء هم الأبناء البررة، هؤلاء هن الفتيات العفيفات، هؤلاء هم التجار الشرفاء، كلهم كانوا يكتبون بآن واحد، في مستهل مقرهم الأبدي إلى قيام الساعة، الحقيقة المخيفة والمقدسة التي كان يجهلها الجميع، أو يتظاهرون بأنهم كانوا يجعلونها عندما كان هؤلاء على قيد الحياة واعتقدت أنها أيضاً لا بد من أن تكون قد كتبت شيئاً ما على شاهدتها. وركضت بعد ذلك من دون خوف نحوها، متأكداً من أنني سأجدها في الحال، لقد عرفتها فوراً من دون أن أرى وجهها، وقرأت على شاهدة قبرها الرخامية العبارة التي تقول: لقد أحبت أحبت، وماتت ورأيت بعد ذلك العبارة التي تقول: بعد أن خرجت في يوم ماطر لتخون عشيقها، أصيبت بالزكام ثم ماتت. ويبدو أنهم عثروا علي في اليوم التالي عند الفجر مستلقياً على القبر ومغمى علي. إقرأ المزيد