تاريخ النشر: 01/01/2012
الناشر: دار القلم للطباعة والنشر والتوزيع
مدة التأمين: يتوفر عادة في غضون أسبوعين
نبذة نيل وفرات:إن القواعد الكلية الفقهية التي صدرت بها مجلة الأحكام العدلية، وهي تسع وتسعون قاعدة معروفة، أولها قاعدة "الأمور بمقاصدها" وأخراها قاعدة "من سعى في نقض ما تم من جهته فسعيه مردود عليه"، هي تعابير فقهية مركزة، تعبر عن مبادئ قانونية، و مفاهيم مقررة في الفقه الإسلامي تبنتها المذاهب الاجتهادية ...في تفريع الأحكام، وتنزيل الحوادث عليها، وتخريج الحلول الشرعية للوقائع، سواء في ذلك العبادات والمعاملات والجنايات وشؤون الأسرة "الأحوال الشخصية"، وأمور الإدارة العامة وصلاحياتها، والقضاء ووسائل الإثبات "البينات القضائية".
فهذه القواعد صيغ إجمالية عامة من قانون الشريعة الإسلامية، ومن جوامع الكلم المعبر عن الفكر الفقهي، استخرجها الفقهاء في مدى متطاول من دلائل النصوص الشرعية، وصاغوها بعبارات موجزة جزلة، وجرت مجرى الأمثال في شهرتها ودلالاتها في عالم الفقه الإسلامي، بل في عالم القانون الوضعى أيضاً. فكثير منها تعبر عن مبادئ حقوقية معتبرة ومقررة لدى القانونيين أنفسهم لأنها ثمرات فكر عدلي وتعلي ذات قيم ثابتى في ميزان التشريع والتعامل والحقوق والقضاء، كما يرى في مثل القواعد التالية: "اليقين لا يزول بالشك" و"الأصل براءة الذمة" و"العبرة في العقود للمقاصد والمعاني" و"الساقط لا يعود" وغيرها كثير.
فكل هذه المفاهيم القاعدية لها قيم قانونية وقضائية في فقه القانون الوضعي كما في الفقه الإسلامي، وكون هذه القواعد أغلبية لا ينقص من قيمتها العلمية، وعظيم موقعها في الفقه، وقوة أثرها في التفقيه، فإن في هذه القواعد تصويراً بارعاً وتنويراً رائعاً للمبادئ والمقررات الفقهية العامة، وكشفاً لآفاقها ومسالكها النظرية، وضبطاً لفروع الأحكام العملية بضوابط تبين في كل مرة من هذه الفروع وحدة المناط، وجهة الارتباط بروابط تجمعها وإن اختلف موضوعاتها وأبوابها. لولا هذه القواعد لبقيت الأحكام الفقهية فروعاً مشتتة قد تتعارض ظواهرها دون أصول تمسك بها في الأفكار، وتبرز فيها العلل الجامعة، وتعين اتجاهاتها التشريعية، وتمهد بينها طريق المقابسة والمجانسة.
وبالنظر لأهمية هذه القواعد فقد اهتم الشيخ "أحمد بن الشيخ محمد الزرقا" بشرح هذه القواعد وبالسعي لجعلها مادة درسية مستقلة يجري تدريسها على حدة إلى جانب الأبواب الفقهية التقليدية في برنامج المدرسة الشرعية النظامية التي أنشئت في مدينة حلب من سورية في أول العشرينات من هذا القرن، وتسمى اليوم: "المدرسة الثانوية الشرعية". وتولى هو بنفسه تدريسها فيها وفي مدارس شرعية أخرى مدة عشرين عاماً. ذلك لأن هذه القواعد لا تختص بباب أو أبوابا معينة من الفقه بل تنبسط على سائر أقسام الفقه وتتفرع عليها فروع من جوانب أبوابه ويظهر بها ارتباط المسائل الفرعية بالمبادئ والعلل الحاكمة فيها من مختلف تلك الأقسام، وتعطي الدارس لها ملكة فقهية عامة، وتبين له وحدة المبدأ الفقهي الذي يسود كثيراً من فروع الأحكام في مختلف الأبواب، من العبادات حتى المواريث.
فالطالب في دراسته الشرعية أو القانونية إذا تلقى هذه القواعد، وتفهم جيداً مدلولاتها ومدى تطبيقاتها، ووقف على مستثنياتها التي يكشف عنها الشرح، ثم تفهم الأسباب الفقهية التي قضيت بقطع الفرع المستثنى عن قاعدته الظاهرة، وإلحاقه بقاعدة أو أصل آخر، يشعر ذلك الطالب في ختام دراسته لهذه القواعد وشروحها كأنما وقف فوق قمة من الفقه تشرف على آفاق مترامية الأطراف من الفكر الفقهي نظرياً وعملياً، ويرى امتداداته التطبيقية في جميع الجهات.
وقد تولى الشيخ "أحمد الزرقا"، من خلال تدريسه لهذه القواعد كتابة شرح واف لها هو هذا الذي بين أيدينا، استقصى فيه زبدة ما في الشروح السابقة من الشروح الحديثة على المجلة، كشرح "رستم الباز" وشرح العلامة "علي حيدر التركي" وشرح "العلامة الأتاسي"، ومن الشروح الفقهية القديمة على القواعد، ومما جاء في الأشياء والنظائر لابن نجيم الحنفي وحاشية الحموي عليه. وعني عناية كبرى باستقصاء المسائل المتفرعة على هذه القواعد من مختلف أبواب الفقه، في العبادات والمعاملات والجنايات ونظام الأسرة من نكاح وطلاق ووصايا وميراث، لأن كثرة التفريع تظهر مدى رسوخ القاعدة وامتداد سلطانها، كما اهتم كثيراً في كل قاعدة باستقصاء الفروع المستثناة منها وبسبب الاستثناء، لأنه يدل على دقة النظر الفقهي وإحاطته ورعاية الظروف والملابسات الخاصة في بعض المسائل، مما يوجب قطعها عن نظائرها الداخلة تحت القاعدة، وإعطاءها حكماً استثنائياً أقرب إلى مقاصد الشريعة بنظر استحساني.
ومما يتميز به شرحه أيضاً بأنه ليس مجرد تجميع واختيار مما في الشروح السابقة، بل هو حصيلة غوص فقهي طويل الأحد، بعيد المدى جمع من الشوارد والشواهد الفقهية ومناقشاتها ما يوجد في سواه. وبيان ذلك أن المصنف كان ولعاً بالفقه يتتبع موضوعاته ومسائله ومشكلات بعض النصوص الفقهية حتى يجد تصويبها أو تعليلها. وكثيراً ما ينتهي به البحث إلى أنها مبنية على رأي فقهي هو خلاف الصحيح في المذهب الحنفي، فيزول الإشكال، وكثيراً ما كان يوجه ويعلل بعض الفروع الفقهية الدقيقة غير المعللة، ثم يجد من مطالعته التعليل أو الفهم الذي ارتآه منصوصاً عليه في بعض المراجع، فيشعر بغبطة كبيرة. إقرأ المزيد