تاريخ النشر: 01/01/1990
الناشر: دار المعارف
نبذة المؤلف:تنبع أهمية هذا الكتاب في ظني من أنه يبدأ من الواقع ويستخدم مصطلحات مستمدة من التاريخ العربي، وينطلق من مذهب أصيل ليحاور من خلاله المذاهب الأخرى ، مثل الماركسية والوجودية وهو بذلك يتجاوز مرحلة الدفاع التى وقف عندها كثير من الباحثين في العصر الحديث.
ومرحلة الدفاع هذه يمكن أن نتبينها ...في ظاهرتين ، فقد يصرخ بعض الكتاب بأعلى صوته مناديا بأن يكون لنا فكر مستقل، ويقف عند حد الصراخ دون أن يتجاوزه إلى الفعل، الذي يقدم هذا الفكر في صورة واضحة، تقف على رجليها، وتثبت وجودها. وقد يناقش بعض الكتاب الفكر العربي من خلال القوالب الغربية، لكي يثبت أن لنا وجودية واشتراكية ومدنية لاتقل عما هو عند أوروبا. وكأن المطلوب أن يكون تاريخنا طبق الأصل من تاريخهم ، وكأن التميز الحضاري شئ لا ينبغي أن نحتفل به.
ولعل هذا يفسر صمت الكثيرين، إزاء هذه التجربة التى تقدم- ربما للمرة الأولى- ملامح مذهب متكامل ، منتزع من البيئة ، وله تطبيقات المختلفة على مستوى الممارسة اليومية من وعلى الخلق والجمال والفن والأدب والمنهج.
ولكن لابد من هذا الحوار مع التيارات التى تتشابه مع الوسطية في الظاهر، ومع التيارات التى تسئ فهم الوسطية لأن هذا الحوار يؤدي في النهاية إلى القرب من "هوية" الوسطية العربية، ويميز الجوهر الحقيقي والانحراف عن هذا الجوهر.
حقا ما لاحظه البعض من أن التفكير "الثنائي" موجود عند كل الأمم، عند الاغريق، وعند الفرس، بل عند الحضارة الأوروبية، التى لا تعدم وجود فلاسفة يتحدثون عن الإنسان كمادة وروح معا..
إن الوسطية العربية تبدأ من هذا التفكير الإنساني، ثم تسلخ نفسها من تلك الاتجاهات العامة، وتمر بظروف تاريخية خاصة، تمنحها فى النهاية "خصوصية" من نوع ما.
إن التفكير الثنائي موجود عند كل البشر، ولكنه يتأثر بالظروف التاريخية التى يمر بها كل مجتمع، فوسطية أرسطو تأثرت بالنزعة العقلية، لأنها نتاج فليسوف قبل أن تكون نتاج دين، وثنائية الفرس تعود إلى عالم الألوهية، وما حفل به من صراع بين إله الخير وإله الشر.
أما الحضارة الأوروبية فهي في جهورها ذات طابع مادي، وقد أسرفت في ذلك، لدرجة أقلقت بعض الفلاسفة الغربيين.
الوسطية العربية وسطية بشرية، بمعنى أنها تنتمي إلى عالم البشر، وتدرك أن عالم الإله يصدر عن مقاييس خاصة، لا تخضع للموازنة والعدال، والمقارنة بينه وبين شئ آخر، فالإله -كما يقول الغزالي- فرد وما عداه فهو شفع، وما دمنا في مجال الشفع "ومن كل شئ خلقنا زوجين اثنين" فنحن في مجال الموازنة والعدال. إقرأ المزيد