سيميائية المعرفة المنطقية "منهج وتطبيقه"
(0)    
المرتبة: 68,120
تاريخ النشر: 01/01/2002
الناشر: مركز الكتاب للنشر
نبذة المؤلف:قبل أن نطرق السيميائية من وجهة نظر اصطلاحية ومفهومية، أي من ناحية كونها علماً مستحدثاً له ماله من أبعاد منهجية ونقدية، فلنسجل ابتداء أن ثمة وبالأساس ما لعله يجوز لنا أن نسميه "الغريزة السيميائية" لدى الإنسان!.
فإن كان ذلك غير مألوف فلا أقل من الاعتراف بوجود سلوك إنساني نوعي راسخ الأنسب ...أن ننعته بالسلوك السيميائي! وليس المقصود ها هنا أمراً آخر إلا فعل التوسم من حيث أنه استدلال على أمر خفي أو باطن، من ثنايا اسم أو وسم أو سمة ظاهرة عنه. وإنما الاستدلال تطلب للدلالة حيث كان. وأحسب أن السلوك السيميائي بهذا المدلول صفة لازمة للإنسان من حيث ما هو عاقل. فلا تكون الأشياء المحايثة له والخارجة عنه، إلا حمالة دلالة. وهذا مهما كان السلوك السيميائي يتراوح بين مجرد افتراض لدلالة في أدنى الأحوال وبين هوس الدلالة في أقصاها!.
فإن قيل: "وما" الدلالة؟! "كان اللازم استذكار ما قد امتاز به الإنسان- ذلك الحيوان الناطق في حد القدماء- من القدرة على استبدال الكلمات بالأشياء، فحيث تكون ثمة أشياء من جهة وكلمات من جهة مقابلة وحيث يمكن للكلمات أن تقوم مقام الأشياء وتنوب عنها، أي بما تكون الأشياء غائبة وتكون الكلمات حاضرة يعلم بها عن ذلك الغياب ويستعلم بواسطتها عن كنة الغائبات..وحيث، وبنفس المدلول، يمكن للكلمات أن تقوم مقام كلمات أخرى وتنوب عنها بما يجعل الأولى منطوقة ويجعل الثانية لا منطوقة أو مضمرة..فإننا في جميع هذه الحالات وما هو من قبيلها أمام واقعة "العلامة". أما من حيث تنتظم مجموعة العلامات في شبكة علائقية متآثرة فإن مسألة الدلالة تكون قد قامتّ وتكون إذن قد قامت معها الحاجة إلى علم للعلامات.
على أن أشهر نسق علاماتي إنما هو "القول" فالقول نسق لغوي لأن نمط العلامة فيه لغوى، لكن الأهم من ذلك أن القول هو أيضا نشاط أو "فعل" بما هو قصد لإحداث أثر مفهوم على ذلك وبطبيعته يقتضي أطرافاً مكونة وتلك: القائل/ القول/ المقوله له/ القناة/ أثر القول. هذا إذا أخذنا فحسب بتلك الصيغة الشهيرة لـ: هـ، د، لاسفيل "من يقول ماذا ولمن وعبر أية قناة وبأي أثر؟. فالقول يحسب هذا التكوين فعل اتصالي. وهنا يسهل ملاحظة أن ما كنت نعته بالسلوك السيمائي، إنما هو في مادته الكثيفة اتصالي المحتوى.
في ضوء هذه الاعتبارات إذن سيكون من المفروغ منه أن يقال أن التكفير في العلامة، وعلى اطلاقه، لم تكن لتخلو منه ثقافة بشرية أينما كانت. والحال أن هذا التفكير قد تدرج ضمن الثقافات التاريخية الكبرى ليصبح أكثر انتظاما وتأسيسا. ولن نعدم أن نجد "نظرية سيميائية مضمرة في ثنايا التأملات اللغوية التي وصلتنا من العصور القديمة: من الصين كما من الهند، من اليونان أو من روما، والشأن نفسه مع القروسطيين الذى صاغوا أفكاراً عن اللغة ذات منحى سيميائي" أما في التراث اللغوي العربي، فإن المبحث السيميائي تتوزعه منذ البواكير مختلف قطاعات هذا التراث. إقرأ المزيد