لقد تمت الاضافة بنجاح
تعديل العربة إتمام عملية الشراء
×
كتب ورقية
كتب الكترونية
كتب صوتية
English books
أطفال وناشئة
وسائل تعليمية
متجر الهدايا
شحن مجاني
اشتراكات
بحث متقدم
نيل وفرات
حسابك لائحة الأمنيات عربة التسوق نشرة الإصدارات
0

الإصبع السادسة

(0)    التعليقات: 0 المرتبة: 65,161

الإصبع السادسة
11.88$
12.50$
%5
الكمية:
شحن مخفض
الإصبع السادسة
تاريخ النشر: 01/01/2019
الناشر: دار ممدوح عدوان للنشر والتوزيع
النوع: ورقي غلاف عادي
نبذة نيل وفرات:وقف وراء الحجي في صلاة الفجر، ولاحظ عنيز يسجد أمامه في الصف الأول وراء الحجي تماماً، لم يسجد الشاويش بل تأمل الساجدين يبحث عن الآغا، ولكن الآغا لم يكن بين المصلين، فتساءل إن كان قد عرف بإقتحامهم بيته في الأمس، وشعر بعرق الخزي ينسلّ من أبطيه وأصابعه.
لم يكن ثلاثي ...الإقتحام من لم ينم في ليلتهم تلك، فالآغا هرب من الحارة بعد غمزات برناردو وإبليس الساخرة من بين ألسنة اللهب ومضى يضرب في الحارات حتى وصل إلى التكية؛ فجلس بين أشجار الصفصاف يتأمل النهر المتسلل أمامه ويرى إنعكاس النور الضعيف على مويجاته الناعمة.
أراد إستعادة التجربة منذ رسالة نعمان الصيدناوي، ولكن الخزي والخجل أعاد غمره، رأى رسمه برناردو المعلقة وهي تتلوى بين النيران ساخرة أتراه غمزه فعلاً... لم يحسّ برغبة في المضيّ إلى البيت، ولماذا؟ لم يحسّ برغبة في رؤية الحجي الذي كان من الواضح أنه يستغل فترة ما بين الواليين ليحقق مشروعه الذي لم يكن يخفيه والذي كانت نفيسة خانم تعلنه أمامه: الشام شريف والأرناؤوطي الملعون اخترق شرفها، ويجب أن تستعيد دورها كشام شريف.
الخطوة الأولى على طريق السماء... الحج مبارك، وقبل إنبلاج الفجر أحسّ بمغص صغير في بطنه: كيف تخلى عن برناردو؟ كيف رضي بتسميته بالشيطان، كيف سمح بإحراق رسماته؟ ولكن وجد نفسه يصرخ: وما الذي كنت أستطيع فعله... كانوا كثيرين... وكان من الواضح أتهم يأتمرون بأمر الحجي، وماذا لو ضربوني، أو أهانوني وأنا الرجل العجوز لا ولد لي ولا أخ يدافع عني، ورأى نفسه ينكمش متصاغراً، متمنيّاً لو أن النهر ابتلعه قبل أن يعيش ليرى هذا اليوم.
حاول القيام، ولكن البرد قد أنقله وجمّد حركاته، ولكن كان من الواجب أن يقوم، فالمؤذن في النكية يعلن الفجر، ومن الأفضل أن يمضي إلى الجامع، فهناك سيحصل على بعض الدفء ويرتاح بعد الصلاة في إنتظار العودة إلى البيت، تحامل على نفسه واتجه إلى التكية: أنت تشيخ بسرعة يا حسن آغا، تشيخ ولم تنجز شيئاً، وتذكر شعار أبيه الدائم؛ إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية، أو ولد صالح يدعو له، أو علم ينتفع به...
ولكن، تنهد وهو يدخل إلى مسجد التكية، لا صدقة جارية، فلقد أنفقت كل مالك على الكتب التي لم تحبها نفيسة خانم يوماً، ولا ولد صالح، فلقد سمحت بمقتل ولديك في سبيل قضية ها أنت ترى الجميع يدير ظهره لها؛ بل ها هو الحجي يأمر بإحراق آثار طويد القارتين، لا تحرك اصبعا لمنع ذلك، ولا علم...
وتقف عند البحرة الكبيرة في باحة التكية حيث كان سكان التكية يتوضأ ومن... لا... بل هنالك العلم... هنالك كل تلك الكتب التي جئت بها وجاؤوك بها من فرنسا ومن مصر... أتظن أنك الوحيد ينتفع بها، لا، فالكتب...إستدار على عقبيه ولم يتوضأ، مضى إلى البيت، لقد أحرقوا، سمات برناردو، ولكنهم لن يحرقوا الكتب، لم يفطر الثلاثي؛ بل مضوا إلى بيت الأغا، قال الحجي؛ لو لم أرها بعيني لشككت، ولكن... والتفت إلى عنيز بقسوة: إنها بنت الأغا معه؟...
وأطرق عنيز برأسه في إيجاب دون أن ينطقن ولكن، لماذا... كيف وصل الشيطان إليها، وتمتم عنيز وهو يشدّ الحجي بعيداً عن الشاويش: سر أريد الإعتراف به. سر؟... نعم... تكلم... الأطفال العجبة!!... وتلفت الحجي من حوله في قلق يخاف أن يكون هناك من يسمع وتمنم: ما بهم؟ منذ سنين استدعتني نفيسة خانم الله يرحمها، هه، قالها في توتر يستحثه على الإكمال.
وكانت قد وَلَدَتْ وحيدة في البيت وقبل وصول الراية، هه، ارتني الوليد... وتمتم مضطرباً محنياً رقبته كمن يتوقع صفعة من الحجي... كان لها أصابع زائدة في كفيها وقدميها؟ لماذا؟... كان الشاويش الواقف على مبعدة حادّ السمع، فسمع الجمل الأخيرة حين تخلى عنيز عن حذره وإن لم يستطع تمييز الضمير إن كان لصبي أم لبنت... وهزّ عنيز رأسه في ذلة: نعم، وصرخ الحجي! وقف وراء الحجي في صلاة الفجر، ولاحظ عنيز يسجد أمامه في الصف الأول وراء الحجي تماماً، لم يسجد الشاويش بل تأمل الساجدين يبحث عن الآغا، ولكن الآغا لم يكن بين المصلين، فتساءل إن كان قد عرف بإقتحامهم بيته في الأمس، وشعر بعرق الخزي ينسلّ من أبطيه وأصابعه.
لم يكن ثلاثي الإقتحام من لم ينم في ليلتهم تلك، فالآغا هرب من الحارة بعد غمزات برناردو وإبليس الساخرة من بين ألسنة اللهب ومضى يضرب في الحارات حتى وصل إلى التكية؛ فجلس بين أشجار الصفصاف يتأمل النهر المتسلل أمامه ويرى إنعكاس النور الضعيف على مويجاته الناعمة.
أراد إستعادة التجربة منذ رسالة نعمان الصيدناوي، ولكن الخزي والخجل أعاد غمره، رأى رسمه برناردو المعلقة وهي تتلوى بين النيران ساخرة أتراه غمزه فعلاً... لم يحسّ برغبة في المضيّ إلى البيت، ولماذا؟ لم يحسّ برغبة في رؤية الحجي الذي كان من الواضح أنه يستغل فترة ما بين الواليين ليحقق مشروعه الذي لم يكن يخفيه والذي كانت نفيسة خانم تعلنه أمامه: الشام شريف والأرناؤوطي الملعون اخترق شرفها، ويجب أن تستعيد دورها كشام شريف.
الخطوة الأولى على طريق السماء... الحج مبارك، وقبل إنبلاج الفجر أحسّ بمغص صغير في بطنه: كيف تخلى عن برناردو؟ كيف رضي بتسميته بالشيطان، كيف سمح بإحراق رسماته؟ ولكن وجد نفسه يصرخ: وما الذي كنت أستطيع فعله... كانوا كثيرين... وكان من الواضح أتهم يأتمرون بأمر الحجي، وماذا لو ضربوني، أو أهانوني وأنا الرجل العجوز لا ولد لي ولا أخ يدافع عني، ورأى نفسه ينكمش متصاغراً، متمنيّاً لو أن النهر ابتلعه قبل أن يعيش ليرى هذا اليوم.
حاول القيام، ولكن البرد قد أنقله وجمّد حركاته، ولكن كان من الواجب أن يقوم، فالمؤذن في النكية يعلن الفجر، ومن الأفضل أن يمضي إلى الجامع، فهناك سيحصل على بعض الدفء ويرتاح بعد الصلاة في إنتظار العودة إلى البيت، تحامل على نفسه واتجه إلى التكية: أنت تشيخ بسرعة يا حسن آغا، تشيخ ولم تنجز شيئاً، وتذكر شعار أبيه الدائم؛ إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية، أو ولد صالح يدعو له، أو علم ينتفع به...
ولكن، تنهد وهو يدخل إلى مسجد التكية، لا صدقة جارية، فلقد أنفقت كل مالك على الكتب التي لم تحبها نفسيه خانم يوماً، ولا ولد صالح، فلقد سمحت بمقتل ولديك في سبيل قضية ها أنت ترى الجميع يدير ظهره لها؛ بل ها هو الحجي يأمر بإحراق آثار طويد القارتين، لا تحرك اصبعا لمنع ذلك، ولا علم...
وتقف عند البحرة الكبيرة في باحة التكية حيث كان سكان التكية يتوضأ ومن... لا... بل هنالك العلم... هنالك كل تلك الكتب التي جئت بها وجاؤوك بها من فرنسا ومن مصر... أتظن أنك الوحيد ينتفع بها، لا، فالكتب...إستدار على عقبيه ولم يتوضأ، مضى إلى البيت، لقد أحرقوا، سمات برناردو، ولكنهم لن يحرقوا الكتب، لم يفطر الثلاثي؛ بل مضوا إلى بيت الأغا، قال الحجي؛ لو لم أرها بعيني لشككت، ولكن... والتفت إلى عنيز بقسوة: إنها بنت الأغا هه؟...
وأطرق عنيز برأسه في إيجاب دون أن ينطقن ولكن، لماذا... كيف وصل الشيطان إليها، وتمتم عنيز وهو يشدّ الحجي بعيداً عن الشاويش: سر أريد الإعتراف به. سر؟... نعم... تكلم... الأطفال العجبة!!... وتلفت الحجي من حوله في قلق يخاف أن يكون هناك من يسمع وتمنم: ما بهم؟ منذ سنين استدعتني نفيسة خانم الله يرحمها، هه، قالها في توتر يستحثه على الإكمال.
وكانت قد وَلَدَتْ وحيدة في البيت وقبل وصول الراية، هه، ارتني الوليد... وتمتم مضطرباً محنياً رقبته كمن يتوقع صفعة من الحجي... كان لها أصابع زائدة في كفيها وقدميها؟ لماذا؟... كان الشاويش الواقف على مبعدة حادّ السمع، فسمع الجمل الأخيرة حين تخلى عنيز عن حذره وإن لم يستطع تمييز الضمير إن كان لصبي أم لبنت... وهزّ عنيز رأسه في ذلة: نعم، وصرخ الحجي! وتركتها تعيش؟ رغم الفتوى؟...
سمع الشاويش الصرخة كاملة وإستدارت عيناه رعباً، فلقد جاءه الجواب على تساؤلاته التي يعرفها ولا يعرفها، الأسئلة التي أرقته منذ صار حارس المقبرة وبقايا الأطفال العجبة المشبوهة... لم يسمع جواب عنيز ولكنه خمّنه، وعرفه حين سمع الحجي يهمس بصوت مليء بالكراهية: يا أجير الشيطان، يا أجير الشيطان... عليك اللعنة... كانت الصورة تتضح الآن كاملة أمام الشاويش، وكانت الإجابات تتجمع، إذن فهذا هو التفسير لموت وبتر وسمل أولئك الاولاد العجبة...
يحفل التاريخ بأحداث تمثل حاضنة لصيد ثمين يتلقفه مخيال القاصّ والروائيّ فينسج منه عالماً يضج بالأحداث، منطلقاً من خيال مترع... خيال واعٍ دوره إيقاظ ذاكرة التاريخ وإلتقاطه منها ما يثير التوجس في نفس القارئ... وكفاه العنوان "الأصبع السادسة" والتي كان الروائي حريصاً على إفتتاح أولى مشاهد الرواية عليها، فإن شيئاً متكوراً صغيراً، فرّب القنديل منه وانطلق منه صراخ مكتوم في رعب، كان الشيء المكور الصغير، رأساً صغيراً لطفل بشري...
وها هو المشهد الثاني يعد القارئ بمزيد من التوجس والرهبة... اكتشف القبر المغبوش وحوله عدد من الزائرين المرعوبين، ويد طفلة... وكأن اصبعاً قطعت الكف... فعدّ الأصابع الصغيرة جداً، وكانت خمساً...
تلك المشاهد تأتي في سياق أحداث زخرت بها الفترة التي بدأت الخلافة العثماية بالتهاوي... وشاع بين المسلمين الكثير من الأفكار والعادات والأقوال التي لا تنتمي للإسلام بصلة، فكان أن انقطع العالم الإسلامي عن الحضارة غارقين في مستنقعات الجهل، وأضحى الإسلام عبادات طاهرية.
وبالعودة، فإن الروائي استطاع رسم شخصياته ببراعة فكان برناردو الشاب الإيطالي المصري يعرف الجميع هو إبليس الذي يوظف الشياطين والأشباح وبسببه حلّت اللعنة على المسلمين... ويبقى الآغا وابنته الشخصيتان الكنان عبرت الحضارة الأوروبية من خلالهما...
رواية تأخذ القارئ في دهاليز التاريخ وربما يقول ما أشبه اليوم بالأمس...
نبذة الناشر:تحلّ المصائب على الشام شريف، فتكثر ولادة الأطفال العجبة، ويعمّ القحط والفقر، وما محاولة إبراهيم باشا ومن انضمّ إليه من رسُل الثورة الفرنسية إسقاطَ دولة السلطان العثماني، إلا إشارة لقرب قدوم الشيطان، كما يرى المتشدّدون دينياً، محاولين الحفاظ على الشام شريف، محاربين إنشاء الجرائد والكوميضا التي تحضّ على الفاحشة.
يحدث كل هذا في الخارج، بينما تتسلل "أروى" إلى بيت "برناردو" وتعابثه برسمٍ غريب لكائنٍ مكتمل، حامل للذكورة والأنوثة معاً.
في حبكةٍ شيّقة تدمج الخيال مع التاريخ والأسطورة والحكاية الشعبية، يحاول "خيري الذهبي" قراءة تأثيرات الحملة الفرنسية في سورية، ورصد عودة المسرح إلى الشام، مناقشاً الكثير من القضايا الإشكالية: الخرافة، الذكورة والأنوثة، وقتل الدمشقيين للشاذّ فيهم

إقرأ المزيد
الإصبع السادسة
الإصبع السادسة
(0)    التعليقات: 0 المرتبة: 65,161

تاريخ النشر: 01/01/2019
الناشر: دار ممدوح عدوان للنشر والتوزيع
النوع: ورقي غلاف عادي
نبذة نيل وفرات:وقف وراء الحجي في صلاة الفجر، ولاحظ عنيز يسجد أمامه في الصف الأول وراء الحجي تماماً، لم يسجد الشاويش بل تأمل الساجدين يبحث عن الآغا، ولكن الآغا لم يكن بين المصلين، فتساءل إن كان قد عرف بإقتحامهم بيته في الأمس، وشعر بعرق الخزي ينسلّ من أبطيه وأصابعه.
لم يكن ثلاثي ...الإقتحام من لم ينم في ليلتهم تلك، فالآغا هرب من الحارة بعد غمزات برناردو وإبليس الساخرة من بين ألسنة اللهب ومضى يضرب في الحارات حتى وصل إلى التكية؛ فجلس بين أشجار الصفصاف يتأمل النهر المتسلل أمامه ويرى إنعكاس النور الضعيف على مويجاته الناعمة.
أراد إستعادة التجربة منذ رسالة نعمان الصيدناوي، ولكن الخزي والخجل أعاد غمره، رأى رسمه برناردو المعلقة وهي تتلوى بين النيران ساخرة أتراه غمزه فعلاً... لم يحسّ برغبة في المضيّ إلى البيت، ولماذا؟ لم يحسّ برغبة في رؤية الحجي الذي كان من الواضح أنه يستغل فترة ما بين الواليين ليحقق مشروعه الذي لم يكن يخفيه والذي كانت نفيسة خانم تعلنه أمامه: الشام شريف والأرناؤوطي الملعون اخترق شرفها، ويجب أن تستعيد دورها كشام شريف.
الخطوة الأولى على طريق السماء... الحج مبارك، وقبل إنبلاج الفجر أحسّ بمغص صغير في بطنه: كيف تخلى عن برناردو؟ كيف رضي بتسميته بالشيطان، كيف سمح بإحراق رسماته؟ ولكن وجد نفسه يصرخ: وما الذي كنت أستطيع فعله... كانوا كثيرين... وكان من الواضح أتهم يأتمرون بأمر الحجي، وماذا لو ضربوني، أو أهانوني وأنا الرجل العجوز لا ولد لي ولا أخ يدافع عني، ورأى نفسه ينكمش متصاغراً، متمنيّاً لو أن النهر ابتلعه قبل أن يعيش ليرى هذا اليوم.
حاول القيام، ولكن البرد قد أنقله وجمّد حركاته، ولكن كان من الواجب أن يقوم، فالمؤذن في النكية يعلن الفجر، ومن الأفضل أن يمضي إلى الجامع، فهناك سيحصل على بعض الدفء ويرتاح بعد الصلاة في إنتظار العودة إلى البيت، تحامل على نفسه واتجه إلى التكية: أنت تشيخ بسرعة يا حسن آغا، تشيخ ولم تنجز شيئاً، وتذكر شعار أبيه الدائم؛ إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية، أو ولد صالح يدعو له، أو علم ينتفع به...
ولكن، تنهد وهو يدخل إلى مسجد التكية، لا صدقة جارية، فلقد أنفقت كل مالك على الكتب التي لم تحبها نفيسة خانم يوماً، ولا ولد صالح، فلقد سمحت بمقتل ولديك في سبيل قضية ها أنت ترى الجميع يدير ظهره لها؛ بل ها هو الحجي يأمر بإحراق آثار طويد القارتين، لا تحرك اصبعا لمنع ذلك، ولا علم...
وتقف عند البحرة الكبيرة في باحة التكية حيث كان سكان التكية يتوضأ ومن... لا... بل هنالك العلم... هنالك كل تلك الكتب التي جئت بها وجاؤوك بها من فرنسا ومن مصر... أتظن أنك الوحيد ينتفع بها، لا، فالكتب...إستدار على عقبيه ولم يتوضأ، مضى إلى البيت، لقد أحرقوا، سمات برناردو، ولكنهم لن يحرقوا الكتب، لم يفطر الثلاثي؛ بل مضوا إلى بيت الأغا، قال الحجي؛ لو لم أرها بعيني لشككت، ولكن... والتفت إلى عنيز بقسوة: إنها بنت الأغا معه؟...
وأطرق عنيز برأسه في إيجاب دون أن ينطقن ولكن، لماذا... كيف وصل الشيطان إليها، وتمتم عنيز وهو يشدّ الحجي بعيداً عن الشاويش: سر أريد الإعتراف به. سر؟... نعم... تكلم... الأطفال العجبة!!... وتلفت الحجي من حوله في قلق يخاف أن يكون هناك من يسمع وتمنم: ما بهم؟ منذ سنين استدعتني نفيسة خانم الله يرحمها، هه، قالها في توتر يستحثه على الإكمال.
وكانت قد وَلَدَتْ وحيدة في البيت وقبل وصول الراية، هه، ارتني الوليد... وتمتم مضطرباً محنياً رقبته كمن يتوقع صفعة من الحجي... كان لها أصابع زائدة في كفيها وقدميها؟ لماذا؟... كان الشاويش الواقف على مبعدة حادّ السمع، فسمع الجمل الأخيرة حين تخلى عنيز عن حذره وإن لم يستطع تمييز الضمير إن كان لصبي أم لبنت... وهزّ عنيز رأسه في ذلة: نعم، وصرخ الحجي! وقف وراء الحجي في صلاة الفجر، ولاحظ عنيز يسجد أمامه في الصف الأول وراء الحجي تماماً، لم يسجد الشاويش بل تأمل الساجدين يبحث عن الآغا، ولكن الآغا لم يكن بين المصلين، فتساءل إن كان قد عرف بإقتحامهم بيته في الأمس، وشعر بعرق الخزي ينسلّ من أبطيه وأصابعه.
لم يكن ثلاثي الإقتحام من لم ينم في ليلتهم تلك، فالآغا هرب من الحارة بعد غمزات برناردو وإبليس الساخرة من بين ألسنة اللهب ومضى يضرب في الحارات حتى وصل إلى التكية؛ فجلس بين أشجار الصفصاف يتأمل النهر المتسلل أمامه ويرى إنعكاس النور الضعيف على مويجاته الناعمة.
أراد إستعادة التجربة منذ رسالة نعمان الصيدناوي، ولكن الخزي والخجل أعاد غمره، رأى رسمه برناردو المعلقة وهي تتلوى بين النيران ساخرة أتراه غمزه فعلاً... لم يحسّ برغبة في المضيّ إلى البيت، ولماذا؟ لم يحسّ برغبة في رؤية الحجي الذي كان من الواضح أنه يستغل فترة ما بين الواليين ليحقق مشروعه الذي لم يكن يخفيه والذي كانت نفيسة خانم تعلنه أمامه: الشام شريف والأرناؤوطي الملعون اخترق شرفها، ويجب أن تستعيد دورها كشام شريف.
الخطوة الأولى على طريق السماء... الحج مبارك، وقبل إنبلاج الفجر أحسّ بمغص صغير في بطنه: كيف تخلى عن برناردو؟ كيف رضي بتسميته بالشيطان، كيف سمح بإحراق رسماته؟ ولكن وجد نفسه يصرخ: وما الذي كنت أستطيع فعله... كانوا كثيرين... وكان من الواضح أتهم يأتمرون بأمر الحجي، وماذا لو ضربوني، أو أهانوني وأنا الرجل العجوز لا ولد لي ولا أخ يدافع عني، ورأى نفسه ينكمش متصاغراً، متمنيّاً لو أن النهر ابتلعه قبل أن يعيش ليرى هذا اليوم.
حاول القيام، ولكن البرد قد أنقله وجمّد حركاته، ولكن كان من الواجب أن يقوم، فالمؤذن في النكية يعلن الفجر، ومن الأفضل أن يمضي إلى الجامع، فهناك سيحصل على بعض الدفء ويرتاح بعد الصلاة في إنتظار العودة إلى البيت، تحامل على نفسه واتجه إلى التكية: أنت تشيخ بسرعة يا حسن آغا، تشيخ ولم تنجز شيئاً، وتذكر شعار أبيه الدائم؛ إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية، أو ولد صالح يدعو له، أو علم ينتفع به...
ولكن، تنهد وهو يدخل إلى مسجد التكية، لا صدقة جارية، فلقد أنفقت كل مالك على الكتب التي لم تحبها نفسيه خانم يوماً، ولا ولد صالح، فلقد سمحت بمقتل ولديك في سبيل قضية ها أنت ترى الجميع يدير ظهره لها؛ بل ها هو الحجي يأمر بإحراق آثار طويد القارتين، لا تحرك اصبعا لمنع ذلك، ولا علم...
وتقف عند البحرة الكبيرة في باحة التكية حيث كان سكان التكية يتوضأ ومن... لا... بل هنالك العلم... هنالك كل تلك الكتب التي جئت بها وجاؤوك بها من فرنسا ومن مصر... أتظن أنك الوحيد ينتفع بها، لا، فالكتب...إستدار على عقبيه ولم يتوضأ، مضى إلى البيت، لقد أحرقوا، سمات برناردو، ولكنهم لن يحرقوا الكتب، لم يفطر الثلاثي؛ بل مضوا إلى بيت الأغا، قال الحجي؛ لو لم أرها بعيني لشككت، ولكن... والتفت إلى عنيز بقسوة: إنها بنت الأغا هه؟...
وأطرق عنيز برأسه في إيجاب دون أن ينطقن ولكن، لماذا... كيف وصل الشيطان إليها، وتمتم عنيز وهو يشدّ الحجي بعيداً عن الشاويش: سر أريد الإعتراف به. سر؟... نعم... تكلم... الأطفال العجبة!!... وتلفت الحجي من حوله في قلق يخاف أن يكون هناك من يسمع وتمنم: ما بهم؟ منذ سنين استدعتني نفيسة خانم الله يرحمها، هه، قالها في توتر يستحثه على الإكمال.
وكانت قد وَلَدَتْ وحيدة في البيت وقبل وصول الراية، هه، ارتني الوليد... وتمتم مضطرباً محنياً رقبته كمن يتوقع صفعة من الحجي... كان لها أصابع زائدة في كفيها وقدميها؟ لماذا؟... كان الشاويش الواقف على مبعدة حادّ السمع، فسمع الجمل الأخيرة حين تخلى عنيز عن حذره وإن لم يستطع تمييز الضمير إن كان لصبي أم لبنت... وهزّ عنيز رأسه في ذلة: نعم، وصرخ الحجي! وتركتها تعيش؟ رغم الفتوى؟...
سمع الشاويش الصرخة كاملة وإستدارت عيناه رعباً، فلقد جاءه الجواب على تساؤلاته التي يعرفها ولا يعرفها، الأسئلة التي أرقته منذ صار حارس المقبرة وبقايا الأطفال العجبة المشبوهة... لم يسمع جواب عنيز ولكنه خمّنه، وعرفه حين سمع الحجي يهمس بصوت مليء بالكراهية: يا أجير الشيطان، يا أجير الشيطان... عليك اللعنة... كانت الصورة تتضح الآن كاملة أمام الشاويش، وكانت الإجابات تتجمع، إذن فهذا هو التفسير لموت وبتر وسمل أولئك الاولاد العجبة...
يحفل التاريخ بأحداث تمثل حاضنة لصيد ثمين يتلقفه مخيال القاصّ والروائيّ فينسج منه عالماً يضج بالأحداث، منطلقاً من خيال مترع... خيال واعٍ دوره إيقاظ ذاكرة التاريخ وإلتقاطه منها ما يثير التوجس في نفس القارئ... وكفاه العنوان "الأصبع السادسة" والتي كان الروائي حريصاً على إفتتاح أولى مشاهد الرواية عليها، فإن شيئاً متكوراً صغيراً، فرّب القنديل منه وانطلق منه صراخ مكتوم في رعب، كان الشيء المكور الصغير، رأساً صغيراً لطفل بشري...
وها هو المشهد الثاني يعد القارئ بمزيد من التوجس والرهبة... اكتشف القبر المغبوش وحوله عدد من الزائرين المرعوبين، ويد طفلة... وكأن اصبعاً قطعت الكف... فعدّ الأصابع الصغيرة جداً، وكانت خمساً...
تلك المشاهد تأتي في سياق أحداث زخرت بها الفترة التي بدأت الخلافة العثماية بالتهاوي... وشاع بين المسلمين الكثير من الأفكار والعادات والأقوال التي لا تنتمي للإسلام بصلة، فكان أن انقطع العالم الإسلامي عن الحضارة غارقين في مستنقعات الجهل، وأضحى الإسلام عبادات طاهرية.
وبالعودة، فإن الروائي استطاع رسم شخصياته ببراعة فكان برناردو الشاب الإيطالي المصري يعرف الجميع هو إبليس الذي يوظف الشياطين والأشباح وبسببه حلّت اللعنة على المسلمين... ويبقى الآغا وابنته الشخصيتان الكنان عبرت الحضارة الأوروبية من خلالهما...
رواية تأخذ القارئ في دهاليز التاريخ وربما يقول ما أشبه اليوم بالأمس...
نبذة الناشر:تحلّ المصائب على الشام شريف، فتكثر ولادة الأطفال العجبة، ويعمّ القحط والفقر، وما محاولة إبراهيم باشا ومن انضمّ إليه من رسُل الثورة الفرنسية إسقاطَ دولة السلطان العثماني، إلا إشارة لقرب قدوم الشيطان، كما يرى المتشدّدون دينياً، محاولين الحفاظ على الشام شريف، محاربين إنشاء الجرائد والكوميضا التي تحضّ على الفاحشة.
يحدث كل هذا في الخارج، بينما تتسلل "أروى" إلى بيت "برناردو" وتعابثه برسمٍ غريب لكائنٍ مكتمل، حامل للذكورة والأنوثة معاً.
في حبكةٍ شيّقة تدمج الخيال مع التاريخ والأسطورة والحكاية الشعبية، يحاول "خيري الذهبي" قراءة تأثيرات الحملة الفرنسية في سورية، ورصد عودة المسرح إلى الشام، مناقشاً الكثير من القضايا الإشكالية: الخرافة، الذكورة والأنوثة، وقتل الدمشقيين للشاذّ فيهم

إقرأ المزيد
11.88$
12.50$
%5
الكمية:
شحن مخفض
الإصبع السادسة

  • الزبائن الذين اشتروا هذا البند اشتروا أيضاً
  • الزبائن الذين شاهدوا هذا البند شاهدوا أيضاً

معلومات إضافية عن الكتاب

لغة: عربي
طبعة: 2
حجم: 21×14
عدد الصفحات: 302
مجلدات: 1
ردمك: 9789933540456

أبرز التعليقات
أكتب تعليقاتك وشارك أراءك مع الأخرين