إخوان الصفا المفترى عليهم ؛ إعجاب وعجب
(0)    
المرتبة: 61,856
تاريخ النشر: 01/01/2019
الناشر: دار مدارك للنشر
توفر الكتاب: نافـد (بإمكانك إضافته إلى عربة التسوق وسنبذل جهدنا لتأمينه)
نبذة نيل وفرات:كتب الكثير عن جماعة إخوان الصفا وخلّان الوفا، وحار الباحثون بمذهبهم، مع أنّهم في أكثر من مكان من رسائلهم يبعدون المذهبية بل والانتساب لأي مذهب، فما دام العلم والفلسفة، في الطبيعة والمجتمع، نصب أعينهم، لابد أن يجعلوا غير الانتساب اليها وراء ظهورهم، من الهوامش لا المتون. وأسئلة تُثار حول ...حقيقة وجودهم وحول توصيفهم، ولكن، ومهما دارت الشبهات حولهم فلا بد من تأكيد وجودهم وفي كونهم مجموعة أشخاص لهم أفكارهم، وإلى هذا فإن تنوع وشمول رسائل إخوان الصفا يشيران إلى أنّها من تصنيف مجموعة متضامنة متعاونة متشاورة، لا فرد واحد، ففي الرسائل هيكل ونظام وتعدد، وربما لولا معاصرهم الأديب أبو حيّان التوحيدي (ن 414 هـ)ما عُرفت هذه الجماعة، مع شهرة الرسائل وذيوع صيتها.
وتجدر الإشارة إلى أنّه يُفهم من عدم وجود أسمائهم عليهم أنهم صنفوها بسرّية. و أن أكثر القائلون في سبب هذا الكتمان، فئة مخافة سلاطين زمانهم، مع أنّه ليس في رسائلهم فعل يفسّر بالثورة أو الخروج، وإذا قيل بأن سبب كتمانهم كان حفاظاً على تنظيمهم السرّي، لكن لا شيئ يدلّ على أنّهم كانوا على شكل تنظيم، مثلما حاول معاصرون تأويل ما ورد في الرسائل على أنه تنظيم سرّي ثوري شبيه بلأحزاب السرّية اليوم، في الوقت الذي هم أفصحوا عن سبب الكتمان، وأبطلوا التوقعات كافّة: خشية أن تقع رسائلهم بيد من لا يفهمها، ولا يقدر مضمونها، فـ يُساء لها، وهم يرون أن يكون الكلام على قدر العقول، والرسائل كتبها أُناس على مستوى من العلم والحكمة.
وهُنا يمكن القول بأن ظاهر هذا التعليل صحيح، وهم يقصدون بذلك العامة من الناس؛ لكن هذا لا يمنع أن يتضمن خشيتهم من السلطان أو القاضي أو الفقية المفتي، الذي لا يفهم مافي الرسائل فيرفع ضدّهم سيف التكفير. ولولا رواية التوحيدي، في "المقابسات" و "الامتاع و المؤانسة" لضاع خبر هذه الجماعة، وماكان له أن يخبر عنهم لولا سؤال ابن سعدان (ت 375 هـ)، وهو وزير صمصام الدولة بن البويهي 373 هـ، لمّا بادره بسؤال وتشكيك عن زيد بن رفاعة (وهو أحد أعضاء جماعة إخوان الصفا)، بما يعني أن الوزير كان له علم بهذه الجماعة. اعترف أبو حيّان لابن سعدان باطّلاعه على الرسائل، وأنه عرضها على آخرين مثل المنطقي محمد بن بهرام السجستاني. ومن غير كتابيه "المقابسات" و "الامتاع والمؤانسة" ذكّرهم أبو حيّان في كتابه " الصداقة والصديق"، وأنّ أحد إخوان الصفا كان مسبباً في تصنيف هذا الكتاب الأدبي النفيس. شخّص التوحيدي أسماءهم ومناسبة حديثه عنهم، قائلاً: "سألني وزير صمصام الدولة في حدود (373هـ)، فقال: "حدّثني عن شيئ هو أهم من هذا إليّ، وأخطر على بالي، إني لا أزال أسمع من زيد بن رفاعة قولاً يريبني، ومذهباً لا عهد لي به (...)، فقد بلغني يا أبا حيان إنّك تغشاه وتجلس إليه وتكثر عنده، ولك معه نوادر عجيبة، ومن طالت عشرته لانسان صدقت خبرته به، وأمكن اطلاعه على مستكن رأيه، وخافي مذهبه.
أجاب أبو حيان استفسار الوزير ابن سعدان عن زيد بن رفاعة: "قد أقام بالبصرة زماناً طويلاً، وصادف بها جماعة لأصناف العلم وأنواع الصناعة، منهم: أبو سليمان محمد بن معشر البيستي، والعوفي وغيرهم، فصحبهم وخدمهم، وكانت هذه العصابة قد تآلفت بالعشرة، وتصافت بالصداقة، واجتمعت على القدس والطهارة والنصيحة... فوضعوا بينهم مذهباً زعموا أنهم قربوا إلى الفوز بمرضاة الله، ذلك أنّهم قالو: إن الشريعة قد دنست بالجهالات واختلطت بالضلالات، ولا سبيل إلى غسلها وتطهيرها إلا بالفلسفة، لأنها حاوية للحكمة الاعتقادية والمصلحة الاجتهادية.. وصنّفوا خمسين رسالة إلى جميع أجزاء الفلسفة، علميّها وعمليّها، وأفردوا لها فرساً، وسمّوها، رسائل إخوان الصفا، وكتموا فيها أسماءهم، ويثوها في الورّاقين (أسواق الوراقة). [..]
وهكذا يتابع المؤلف في كتابه هذا ما نسج حول إخوان الصفا من حكايات وتصورات وأوقوال مبيناً ما يؤكد حقيقة وجودهم، ومسلّطاً الضوء على عموم أفكارهم وآرائهم ثم فلسفتهم من خلال رسائلهم، ومبرهناً بالدليل لا مذهبيتهم.
وهدف المؤلف من ذلك كله؛ الرد على ماشاب تاريخ هذه الجماعة بدءاً من إنكار وجودهم وقحاً وغبط حقهم في تأليف الرسائل، ونسبتها إلى أكثر من شخصية، وزجّهم في صراعاً، سياسية مذهبية، وتكفيرهم، ورميهم بالشعوذة ورداءة التأليف وتوضيح إهمال ظلالهم على مقدمة ابن خلدون، حتى بنى ابن خلدون مجداً معرفياً بفضل ما أخذه من رسائلهم، دون الإشارة إليهم ولا بكلمة. إقرأ المزيد