تاريخ النشر: 05/02/2014
الناشر: أثر للنشر والتوزيع
توفر الكتاب: نافـد (بإمكانك إضافته إلى عربة التسوق وسنبذل جهدنا لتأمينه)
نبذة نيل وفرات:لم يَرُدَ مبارك، واكتفى بتطويح كفه اليسرى بإتجاهه، كان واضحاً لحسين أن ثمة أمراً عكر مزاج الزبون الأسمر المفضل لديه، لم يتوقف عند الأمر، ومضى في تجهيز طبق فول وكبدة، حسبما طلب ابن معتاز، رفيق ذي العينين الذئبيتين.
كان حسين قد قدم كأستي شاهي لهما قبل أن يسأل مبارك، وبعد ...أن سأله كان صاحب العينين الذئيبتين ينفث دخانه من منخريه، لم يشبع مبارك في إفطاره ذلك الصباح، أراد الخروج من البوفيه بسرعة، لم يطق رؤية الرجل الذئبي من حديد.
كانت تلك المرة الأولى، أو الثانية ربما، التي يقابل مبارك هذا الرجل بعد مضي سنوات، وعلى الرغم من أنه لا يملك ذاكرة بصرية، فقد تذكر عينيه الذئبية، كانت لها بصمة عصية على المحو في ذاكرته، حاول أن يسرق نظرة أخرى لوجهه، أراد أن يتأكد أن الرجل هو ذاته الذي دفع عجلة الذكريات للدورات، رفع رأسه لينظر له في الجهة المقابلة من المحل، حافت من الرجل الذئبي التفاتة، وتلاقت عيناه الذئبيتان مع عيني مبارك مرة أخرى، مثلما حصل لحظة الدخول، تأكد مبارك أنه ذات الرجل الذي سافر من الرياض إلى الشرقية في رحلته الأولى في حوض الجمس النهكمية: ادع بسلامة فيصل... تذكر مبارك صوت الرجل الذئبي يجلده بتلك الجملة، لم تكن جملة عصية على الفهم على كل حال، إذ كان معظم العُتَقَاء يدعون للملك فيصل، لكنه استعاد نبرة صوته الغاضبة، خرجت مع كتلة جهد آتية من الحلق، لم يعرف لماذا قبل ذلك، تذكر أنه كان صامتاً طيلة النصف الأول من الرحلة، وكان الرجل الذئبي جالساً في حوض "الجمس" خلف السائق، ومتقاطعاً مع مبارك، يجول بعينيه في وجوه الركاب تارةً، وفي السماء التي بدت مثل سقف خيمة بيضاء مرتخية من كثافة الغيوم تارة أخرى، كان يتفنن في توجيه النظرات وتغرس في الوجوه مثل قصاص أثر يبحث عن دليل، ولم يعبأ بتلك النظرات، ذلك الرجل النحيل الذي كان يجلس أمام الرجل الذئبي عن يمين مبارك كان منكفئاً على نفسه...
كانت الريح تصغر مع سرعة الجمس التي اهتزت طيلة الطريق، من كان يملك عباءة شدّهما حوله، ومن معه شماغ يحكمه حول وجهه، بيد أن مبارك ظلّ الوحيد الذي بقي بلا شيء يخفف من حدّة البرد، وهذا ما دفعه للسؤال: متى توصل؟ كنت خائفاً يا مبارك حين رميت سؤالك مثل طفل يرمي حجره الأول في بركة ماء، لم تعتمد على هؤلاء الأغراب الذين لحظ بعضهم بياض أسنانك حين تكلمت، أمضيت عقدين من حياتك لا تعرف سوى بيت ومزرعة عمك الشيخ، ولم تر غيره مع أمك وأبنك وبقية الرفاق في المزرعة... حين نكون في الجوار، فإننا غالباً ننشغل عن الإنتباه للتفاصيل، والتفاصيل تعني الإشارات التي تسبق حدوث أمر ما...
هكذا بدأت الأحداث شخصان شاءت الأقدار أن يلتقيا الأول صاحب العينان الذئبيتان وهو ذيبان والثاني مبارك... التقيا ونظرة توجس وإرتياب منذ اللقاء الأول، وذلك عندما جمع بينهما طريق السفر من الرياض إلى الشرقية في رحلة مبارك الأولى في حوض الجمس الأحمر... ليعود بعده فترة دراسته في أميركا مبارك ليلتقي وذيبان في حي البادية... وما زالت نظرة الإرتياب المتبادلة تلك القاسم المشترك بينهما رغم مرور الزمن.
لم يكن مبارك يدرك سبب الإرتياب المتبادل لكنه أخبر الراوي أن ثمة شيئاً من عدم الإرتياح لازمه من اليوم الأول لرؤية ذيبان... ربما كان في عينيه شيء لا يبعث على الطمأنينة، كما أن ذيبان قليل الكلام وأقرب للصمت، ومن لا يتكلم كثيراً فهو كائن يخفي ويبطن أشياء لا تظهر للآخرين.
يتابع الراوي حيناً والراويان اللذان يرويان ما استطاعان من سيرتهما الذاتية... ليحاول الراوي في نهاية المطاف إسباغ ما استطاع من قدرة على السبك والربط لإعطاء الرواية ذلك المناخ الروائي الرائع الذي يضحي الراوي من خلاله تلك العين الحيادية والناقدة في ذات الآن لسرديات تحكي عن إرتياب ظل المسيطر على ذيبان ومبارك رغم كل الظروف المحيطة بما يشمل مرور الزمن وتغير الحال وتقادم العمر وتبدل المكان.نبذة المؤلف:رواية تحاكي ماضياً قديماً يمتد إلى الحاضر وينفذ بسلاسة إلى المستقبل عبر تقاطع حقبتين مهمتين، حيث تتعاقب الفصول والأجيال والقصص، في بعد إنساني واجتماعي تأثر بالنمو الفجائي ما بعد الطفرة النفطية، هذه الرواية كُتبت بصدق أقرب ما يكون إلى نفض الغبار عن الحقيقة التي لا نرغب في سماعها، عن الإرتياب في ماضٍ ليس بذلك النقاء الذي نتخيله، وعن العلاقة الأعمق بين الإنسان وذاته حيث الشك والريبة يمكن أن تخذل المرء كلما استشعر ضعفه وأدرك حقيقة فنائه المحتوم. إقرأ المزيد