الشهرستاني ومنهجه النقدي، دراسة مقارنة مع آراء الفلاسفة والمتكلمين
(0)    
المرتبة: 214,891
تاريخ النشر: 01/01/2002
الناشر: المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر
نبذة نيل وفرات:إن البحوث التي تنتظمها الدراسات الفلسفية بفروعها المختلفة، والتي تصوب نحو التراث الإسلامي خاصة، يجب ألا تكتفي أو تقف عند حد مجرد سرد الآراء والأفكار الإيجابية المقررة التي نجدها لدى هذا المتكلم أو ذاك الفيلسوف أو هاتيك المتصوف، سرداً تاريخية مفرغاً من مضمونها النقدي، لأن هذا يفضي إلى جمود ...فكر الباحثين، أكثر مما يفضي إلى حركته وانطلاقه وقدح زناده، هذا إن لم يطمس في الوقت نفسه جانباً ثرياً أخاذاً من جوانب فكر علماء التراث ومفكريه.
لهذا أراد الباحث أن يتخذ من "الفكر النقدي عند الشهرستاني"، موضوعاً لدراسة جادة أودعها بحثه هذا، في محاولة للكشف عن طبيعة هذا الفكر وأبعاده وتأدياته، لدى هذا المفكر الإسلامي الأشعري. كما يكشف بهذه الدراسة أيضاً عن صورة أخرى من صور المواجهة الفكرية التي جرت تباعاً على صعيد الفكر الديني والفلسفي فيما بين الأشاعرة وخصومهم من الفلاسفة ورجال الفرق الدينية، كالمعتزلة والكرامية والجهمية والشيعة، وغير الدينية كالدهرية والثنوية والصابئة والزنادقة وغيرهم.
وتبدو أهمية هذا البحث في كون الشهرستاني يعدّ أول مفكر أشعري حمل لواء الهجوم والنقد ضد الفرق المخالفة للمذهب الأشعري، بعد الغزالي. وهو إن كان قد عاصره زمناً، وعمّر بعده ما يزيد على أربعين سنة، متمثلاً بوعي لمعطيات التراث الإسلامي الذي آل إليه في عصره، فضلاً عن تمثله لأبعاد حملة الغزالي النقدية ومضامينها، إلا أنه لم يقف عند حدّ هذا التمثل والاستيعاب، وإنما جاوزه إلى حيث أسهم بأفكاره وآراءه النقدية والإيجابية في إثراء التيار النقدي ودفعه وتوسيع مصباته وتنويع توجهاته بحيث شمل جل المذاهب والنحل سواء تلك التي وجد من أصحابها في عصره من يعتنقها وينتصر لها، أو التي كانت مؤلفات أصحابها ما زالت متداولة تقرع الأسماع وتثير النفوس والألباب ضد مذهب أهل السنة والجماعة بوجه عام، ومذهب الأشاعرة على وجه الخصوص. ولئن كانت شهرة الشهرستاني في الأوساط العملية المعاصرة، قد ارتبطت في المقام الأول بكونه مؤرخاً للملل والنحل، وذلك بفضل مؤلفه الموسوم بهذا الاسم، إلى جانب معرفتنا به كمفكر أشعري صاحب "نهاية الاقدام في علم الكلام" وحسب؛ كان هذا البحث قد قدر له، أو قُصِد به الكشف عن جانب آخر هام وعميق في فكر الشهرستاني، هو الجانب النقدي الذي لم يخط بالاهتمام اللائق به من جانب الباحثين المعاصرين، بالرغم من أنه فيما يبدو أكثر غنى وثراء، وأكثر تعبير عن شخصية الشهرستاني العلمية من ذلك الجانب التأريخي أو الإيجابي في فكره.
ولو أن الباحثين وقفوا على حقيقة هذا الجانب النقدي ومحتواه، لوجدوا فيه ما يضيف إلى شهرة الشهرستاني كمؤرخ، شهرته كمفكر أشعري، ذي اتجاه نقدي واضح إن لم يكن هذا الاتجاه في شخصه وفكره أوضح وأظهر من أي اتجاه آخر فيهما. ويجدر التنويه إلى أن الباحث إذا كان يركز في المقام الأول على بيان نقد الشهرستاني لمذاهب وآراء الفلاسفة والمتكلمين، فذلك لأن هذين الفريقين هما من أشهر الفرق الإسلامية التي أوسعت مسائل الإلهيات مما يتصل به بحثاً ودراسة، فضلاً عن أنهما كان يمثلان خصماً مشتركاً للمذهب الأشعري، على تفاوت بينهما في درجات الخصومة، ولا يعني هذا أن الشهرستاني قصر مواقفه النقدية على هؤلاء وأولئك، وإنما شملت انتقاداته فرقاً ومذاهب أخرى غير هذين، وهذا ما حاول الباحث التعرض له أيضاً خلال مسيرته مع الشهرستاني ومواقفه النقدية المتعددة. إقرأ المزيد