تاريخ النشر: 01/01/1996
الناشر: شركة الأعلمي للمطبوعات
نبذة نيل وفرات:إن للحديث المحمدي من جلال الشأن وعلو القدر ما يدعو إلى العناية الكاملة به ، والبحث الدقيق عنه ، حتى يُدرس ما فيه من دين وأخلاق ، وحِكَم وآداب ، وغير ذلك مما ينفع المسلمين في دينهم ودنياهم . وعلى أنه بهذه المكانة الجليلة والمنزلة الرفيعة ، فإن العلماء ...والأدباء لم يولوه ما يستحق من العناية والدرس ، وتركوا أمره لمن يسمّون رجال الحديث يتداولونه فيما بينهم ، ويدرّسونه على طريقتهم ، وطريقة هذه الفئة التي اتخذت لنفسها قامت على قواعد جامدة ولا تتغير ولا تتبدّل ، فترى المتقدمين منهم وهم الذين وصفوا هذه القواعد قد حصروا عنايتهم في معرفة رواة الحديث والبحث وعلى قدر الوسع ، في تاريخهم ، ولا عليهم بعد ذلك إن كان ما يصدر عن هؤلاء الرواة صحيحاً في نفسه أو غير صحيح ، معقولاً أو غير معقول ؛ ذلك بأنهم وقفوا بعلمهم على ما يتصل بالسند فحسب . أما المعنى فلا يعنيهم من أمره شيء . ثم جاء المتأخرون منهم فقعد ما وراء الحدود التي أقامها من سبقهم ، لا يتجاوزونها ولا يحيدون عنها ، وبذلك حجر علم الرواية منذ القرون الأولى لا يتحرك ولا يتغير . ووقف هؤلاء عند ظواهر الحديث كما أدت إليه الرواية مطمئنين إليها ، آخذين بها من غير بحث ولا تمحيص لها . وعلى أنهم بذلوا أقصى جهدهم في دراسة علم الحديث من حيث العناية بسنده . . فإنهم قد أهملوا جميعاً أمراً خطيراً لا كان يجب أن يُعرف قبل النظر في هذا العلم ودرس كتبه - ذلك البحث عن حقيقته النص الصحيح لما تحدث به النبي صلى الله عليه وسلم . وهل أمر بكتابة هذا النص بلفظ عند إلقائه – كما فعل بالقرآن الكريم - أو تركه ونهى عن كتابته ؟ وهل دوّنه الصحابة ومن بعدهم ، أو انصرفوا عن تدوينه وماذا كان أمرهم - ومن تبعهم - عندما أخذوا في روايته ؟ وهي ما رُوي منه جاء مطابقاً لحقيقة ما نطق به النبي صلى الله عليه وسلم - لفظاً ومعنىً - أو كان مخالفاً له ؟ وما هي العوامل التي تدسست إليه من نزعات أعدائه ، والمؤثرات التي أصابته من أغراض أوليائه حتى شيّب بما ليس منه ، وتسرّب إليه ما هو غريب عنه ؟ ثم في أي زمن دوّن ما حملته الرواية منه ؟ وهل اتخذ التدوين طريقة واحدة لم تتغير على مرّ العصور وتوالي الأجيال ؟ وفي أية صورة خرج أخيراً إلى الناس في كتبه التي اعتمد عليها الجمهور ؟ وماذا كان موقف علماء الأمة منه ؟ وما مبلغ ثقتهم ، ومدى اختلافهم فيه ، بعد أن عراه وتأثر بما تأثر به ؟ وما إلى ذلك من الأمور المهمة التي يجب أن يعرفها كل مسلم أو باحث في الدين الإسلامي قبل النظر فيه ، والأخذ بما تؤدي إليه ألفاظه ومعانيه [ . . . ] هذا كله شكّل بالنسبة للمؤلف الدافع لتأليف كتابه هذا حيث يشير إلى أنّه لمّا وصل في دراسته في الدين درس العقل والفكر ، بعد أن تلقاه تلقيناً . . ارتأى الرجوع إلى مصادره الأولى وأسانيده الصحيحة . وعند وصوله في دراسته إلى كتب الحديث المعتمدة لدى الجمهور . . ألفى فيها من الأحاديث ما يبعد أن يكون في ألفاظه أو معانيه أو أسلوبه - من محكم قوله ، وبارع منطقه صلوات الله عليه . . مضيفاً بأن ما راعه أن يجد في معاني كثير من الأحاديث ما لا يقبله عقل صريح ، ولا يثبته علم صحيح ولا يؤيده حسن ظاهر أو كتاب متواتر . . وقرأ . . وقرأ واستمر على هذا الحال حتى حفّزه - كما يشير - حب عرفان الحق إلى البحث عن أصل الحديث وروايته ، وتاريخ حياته من المصادر الصحيحة ، والأسانيد الوثيقة ، علّه يقف على شيء يذهب بما يحيك في صدره من حرج ، ويصرف ما يغمر نفسه من ضيق ، وذلك لأن هذا الأمر الجليل - لم يفرد من قبل بالتأليف الجامع الذي يشبع نهم الباحث ، ويحقق بغية الطالب . . وهكذا لبث زمناً طويلاً باحثاً ومنقباً فلا يدع كتاباً يمكن أن يستفاد منه حكمه لما هو في سبيله إلا قرأه في طلبه . . إلى أن انتهى إلى حقائق عجيبة ونتائج خطيرة . . وانكشف له الكثير مما عمد إلى تفصيله في كتابه هذا . . وبدت له حياة الحديث المحمدي في صورة واضحة جلية تراءت له في مرآة مصقولة . . فأصبح على بيّنة من أمر ما نُسب إلى الرسول من أحاديث . . آخذاً منه ما يمكن أخذه ونفسه راضية . . ويدع ما يدع وقلبه مطمئن . . فجاء هذا البحث الذي كما يصفه " طريف وغريب " مضيفاً بقوله : " وقد ينبعث له مَن يتطالى إلى معارضته من بعض الحشوية والجامدين . . استكثرت فيه من بعض الأدلة التي لا يرقى شك إليها . . وأتزيد من الشواهد التي لا ينال الضعف فيها . . وقد يتكرر بعض هذه الأدلة بين الأبواب ؛ المناسبة تقتضيها ، أو سبب يدعو إليها ؛ لأن الكلام معقود بها وسياق المعنى لا يتم بدونها ، وما يتقدمها أو يليها من الكلام مفتقر إليها [ . . . ] . وأخيراً فإن غاية المؤلف كما يشير أن يكون ومن خلال بحثه هذا ، قد حسر النقاب عن وجه الحق في أمر الحديث المحمدي الذي جعلوه الأصل الثاني من الأدلة الشرعية ، بعد السُّنة العملية ، واتخذوا منه ، أسانيد لتأييد الفِرق الإسلامية ، ودلائل على الخرافات والأوهام ، وقالوا بزعمهم أنها دينية ، وعليه فهدفه وأن يكون بحثه هذا قد كشف القناع عما خفي على الناس أمره ، وأن يكون من خلاله قد عرض صوره صادقة من تاريخه . . تاريخ الحديث النبوي . ومجمل القول فإن هذا الكتاب ينبغي من خلاله المؤلف على الناس قصة الحديث ، مبيّناً لهم ما أصابه من فعل الرواة ، وما اعتراه من وضع الوفا عنهن وغيرهم . . . . وما إلى ذلك مما بيّنه في كتابه هذا . إقرأ المزيد