تطبيق الشريعة بين القبول والرفض
(0)    
المرتبة: 143,829
تاريخ النشر: 01/01/1997
الناشر: مؤسسة الإنتشار العربي
نبذة نيل وفرات:تعترض الباحث في موضوع تطبيق الشريعة الإسلامية مشاكل عديدة، فمن البداية، تختلف وجهات النظر حول دلالة المصطلح بما يؤدي إلى إختلاف التناول وتغاير النتائج؛ فالفقه الديني يرى أن الشريعة هي النظم التي شرعها الله تعالى. أو شرّع أصولها ليأخذ الإنسان بها نفسه في علاقته بربه، وعلاقته بأخيه المسلم، وعلاقته ...بالإنسان وبالكون وبالحياة.
وراء هذا النظر أن الشريعة نظام إلهي صاغه الخالق ليستقيم به سلوك الإنسان في كل زمان ومكان، وأنها بهذه الصفة لا تخاطب العقل الإنساني من خلال معاييره الناقدة المهيئة للتناول قبولاً أو رفضاً، وإنما هي تخاطبه وقد أسلمته لها العقيدة في حالة إذعان مطلق يدور من خلاله التفكير وقد أمسكت بآلياته موجهات المطلقات الإعتقادية القاطعة عليه طريق الإتصال بمعطيات تلك المطلقات لنقدها.
والمشكلة التي تثيرها وجهة النظر تلك مرجعها أن أصحاب هذا الإتجاه يخلطون بين النظم الضابطة لعلاقة الإنسان بربه، ونطاق تلك النظم العقيدة، وبين النظم التي مهمتها تنظيم العلاقة بين الناس فيما يتصل بمنافعهم الحياتية ضبطاً للسلوك بينهم، إذ النظم في نطاق العقيدة تقوم على ركائز من مسلمات إعتقادية طبيعتها الثبات، بينما تنهض النظم التشريعية على ركائز جدلية عقلية موصولها بالإنسان واقع متغير لا يخضع للثبات ولا يقبل به.
وعلى جانب مقابل، يقف فريق آخر يرى أن العقل الإسلامي قد عدّل من دلالة اللفظ عدة مرات، فبينما كانت معطيات اللفظ في البداية محصورة في نطاق معناه اللغوي المشير بكلمة الشريعة إلى المنهج أو الطريقة، إذا بالواقع الحالي يسفر عن إتساع المعنى ليشمل القواعد وشروحها، ثم الآراء والأحكام والإجتهادات والفتاوى التي صدرت لإيضاح القواعد وبيان الأحكام، فانصرف المعنى إلى الفقه الإسلامي ثم تجاوزه إلى النظام التاريخي للإسلام.
إن الفارق بين أن تكون الشريعة الإسلامية هي ما شرّعه الله عن طريق الوحي، وبين أن تكون هي الفقه الذي لا خلاف في أنه منتج بشري، لفارق خطير تنقلب به الموازين وتنهار في رحابه أسس الركائز التي ساند بها دعاة التطبيق مواقفهم، فليست الإشكالية في أن يكون الفقه الإسلامي قد بنى لقواعده على الطروحات اللغوية في الخطاب الديني، قاصراً الجهد على ما وراء نصوص الكتاب أو السنة من معاني، أو أن يكون قد تجاوز اللغة فبنى على مقاصد الشرع في خطاب الدين، وإنما الإشكالية في عملية عقلية تحكمت في إنتاجيتها موجهات الوسط الممسك بساحة الرؤية، وتحكمت في بناء نسقه العوامل الذاتية الفاعلة في إنتاج معنى الوحدات الإدراكية القائم بها هذا البناء.
من هنا، تأتي هذه الدراسة التي يحاول المؤلف من خلالها رصد التصور الإفتراضي لموجهات المعنى الإعتقادي - الديني عن طريق الإمساك بالنيات الإدراكية لتلك الموجهات ثم ا لإختراق بها إلى معجم البيانات المتخصصة لإستبصار طريقة التناول العقلي التي أنتجت تلك الشريعة، تبياناً لما إذا كانت قناة النقل الإدراكية على إتصال بالذاكرة فيكون إتصالها بالوعي عن طريق التجول في الخبرات الماضية؛ أم أنها كانت على إتصال مباشر بالوعي المطل على الواقع والمرتبط به؛ ذلك لأن التناول الموصول بالذاكرة إذ يتجول بالوحدة الإدراكية في نطاق خبرة الماضي فإنه يسلم الإدراك إلى المسيطرات المستقرة في الدفين النفسي لتؤقلمه فيستقر هو الآخر بالمماثلة أو لترفضه - إن استحالت أقلمته - فينزاح بالمغايرة، في حين أن التناول وصلاً بالوعي ينساب على ساحة واقع تتجول فيه الوحدة الإدراكية في نطاق إرتباطات مختلفة هي في حقيقتها موجهات إرشادية إلى طرق جديدة من النظر إلى الأشياء.
لذلك، فلن يقتصر الباحث في دراسته هذه في عملية الفض الإدراكي تلك على مباحث علوم اللغة وحدها؛ وإنما سيضيف إلى تلك العلوم مباحث علم النفس - ما اتصل منه باللغة أو ما اتصل منه بالإنسان، وسيكون التاريخ ركيزة يعبر بها إلى قلب الوقائع الكاشفة عن مكونات الخبرة وإتجاهات النظر على ساحة واقع إنتاج الفقه الإسلامي، فإن اقتضت الضرورة إضافات أخرى، طاف يبحث عنها في الحاوية المعرفية للإنسان دون التقيد بتخصص، ودون التجاوز للحدود المسموح بها للتناول غير المتخصص. إقرأ المزيد