تاريخ النشر: 01/01/1990
الناشر: دار الكتب العلمية
نبذة نيل وفرات:تزخر كتب التاريخ والأدب بشخصيات تلعب أدواراً قد تؤدي أحياناً إلى تغيير واضح في مسار الحكم والدولة. وهذه الأدوار تتفاوت من شخص لآخر تبعاً للمهمة الموكلة إليه.
في هذا المجال برز دور الشعراء وفي عصور شتى حيث تقرّب هؤلاء من الخلفاء أو قرّبوهم ليكونوا ساعدهم الأيمن في مجالات حكمهم وعلمهم ...ولهوهم وفي غير ذلك. وإذا كان الشاعر في الجاهلية لسان حال قبيلته التي تحركه من موقع انتمائه العشائري. هذا الانتماء الذي يشحذ قريحته ويفجّر أفكاره ويرفد مفرداته ومعانيه ليشكّل حصناً يحمي قبيلته ويصدّ عنها هجوم غيرها من القبائل، فإن الشاعر الإسلامي تحوّل إلى مدافع عن القضية (الإسلام أو الدين الحنيف) فيشحد كل إمكانية ليوظفها في سبيل الدين فظهر شعراء إسلاميون يناقضهم شعراء كافرون. وهذا التغيّر في طبيعة العمل الشعري، ودور الشاعر لحقه تغيّر وتبدّل في عصر بني العباس. فالشاعر في هذا العصر أقرب إلى الممالئ فيه إلى شاعر قضية أو مبدأ. فالمعيار عنده شخصه أولاً وأخيراً. فهو يجيد النظم والكتابة في حالين، إذا فرح بالحظوة التي يمنحها له الخليفة فينتشي ويبدع ويغدق من المديح والفخر على السواء فضلاً عن مجونه الذي يساعده على الغزل ووصف مجالس الأنس واللهو، وإذا حزن أو شقي لعزلة فرضتها عليه نقمة الخليفة وغضبه. فيروح يدبّج القصائد والأبيات الشاكية التي تنضح بالألم واللوم في آن مستعطفاً سيده ليعيد إليه سابق كيانه وعزه.
من هذا الصنف الأخير، نجد شاعراً مفلقاً ومطبوعاً كما سماه غير ناقد وأديب. عاش مخضرماً بين فترتين من عصر واحد. نهاية العصر العباسي الأول وبداية العصر العباسي الثاني معاصراً بذلك ثمانية من خلفاء بني العباس، ومتابعاً لمرحلتين متناقضتين من حيث التقدم والتقهقر الفكريين، فهو ابن مرحلة الازدهار الفكري العصر الذهبي، وابن جزء من مرحلة الانحسار والضعف.
لا شك أن شخصية الشاعر تتطبع بطبائع العصر والبيئة. وإذا عاش علي بن الجهم حياته الأولى في عصر الازدهار الفكري فإن الشطر الثاني من حياته عاشه في مرحلة لحقها الضمور والانحدار. وفيها أنتج شعره حين تقرّب من الخلفاء لا سيما المعتصم بالله والواثق بالله وكانت حظوته عالية لدى المتوكل الذي حباه بغير منصب ومكانة، فمدحه وغنّى في حضرته ونادمه وسامره واختص من دون سواه بحفظ أسراره، لكنه لم يتمتع بذلك مدى الحياة، فلما لبثت أيامه أن انقلبت رأساً على عقب فأودع السجن بأمر من الخليفة النديم ولقي شتى صنوف العذاب والقهر.
إن محطات حياة الشاعر تظهر أنه جدير بالدراسة. فهو شاعر وسياسي في آن. ودوره يبرز حتى في أبياته الشعرية. فمن هو علي بن الجهم. كيف ومتى وأين عاش ومات ودفن. وما الأغراض الشعرية التي تضمنها ديوانه. تلك أسئلة تحاول هذه الدراسة أن تجيب عنها. إقرأ المزيد