الأعمال الكاملة لعلي الجندي
(0)    
المرتبة: 127,738
تاريخ النشر: 01/01/1998
الناشر: دار عطية للنشر
توفر الكتاب: نافـد (بإمكانك إضافته إلى عربة التسوق وسنبذل جهدنا لتأمينه)
نبذة نيل وفرات:العطش.. يفصل ما بيني الآن وما بين النهر وبين القتل... الموت من العطش البريّ جموع الأعداء، ما أطلبه قبل الموت المقبل جرعة ماء...!... الماء، الماء، الماء، الماء.
الشمس تخالسني ما أبقيت أيام الردة في جسدي من ريٍّ... الأشجار القزمة في الصحراء، تطلب مثلي قطرة ماء! تدعو... تبتهل... تصلي، تسول أغصنتها ...الشوكية في ذله محروم،... آه، الماء، الماء، الماء... والنمل الساعي في الأرض يلوب بلا ظل عطشان، حتى الديدان... هجرت أنفاق الرمل... تلوث في الشمس الناهية، الآبرة، القاتلة...، وكل دوابّ الأرض تردد في همسٍ رمليّ: صلوات الموت النشوان!... كفي عطش، قدمي يابسة، ولساني خشبِّ، وجهي يتشقق... يا... ماء!... يا... في هذا الوهج القاتل أذكر نبع حروفي ورياض الموسيقا الفجرية والأحباب!
كل وجوه الرحلوا والقتلوا والنضلوا، وعيون الأطفال العطش والفرش والضاحكة، الشمس النديانة والماء الجاري وسواقي الورد المسكيّ... الثمر الأخضر والأعشاب... أذكر كيف عشقت الخضرة، كان العالم أخضر... كيف توّرد وجه العالم بين يديَّ وهلّ المطر، العشب تواثب تحت التربة، فتّح زهر نور كل حفافي الدنيا: وردٌ أحمر، أصغر... نهر سراب! اذكر عطشاً كان يؤرقني، عطشاً صار يباغتني... فأغادر كهفي تحت المطر الساخن، أهجر أمن الموسيقا ورعاية وكف الشعر وأشرد في كل شوارع خوفي حتى أصل إلى الحدّ الفاصل ما بين الحب وما بين الصحراء... وأتوه بعيداً... هأنذا صرت وحيداً... أبحث تحت سماء مقفرةٍ وصل ما بين جنوني ورموز العالم و... الأشباح وصوت يا تيني من كل الأرجاء: ارجع من حيث أتيت، نسيت طريق العودة، صارت "من حيث" هباء! أبحث عن آثار خطاك وإلا سوف تمت من العطش... أموت على قطرة، قطرة... ماء،... الأفق نحاسيّ وجه الأرض نحاس محميّ، كفّي عطش، قدمي يابسة ولساني خشب... كل الأشياء جامدة عطش، تبتهل، تصلي، تطلب مثلي قطرة ماء"... قطرة ماء ألهمت شلالات معانٍ وعبارات وموسيقى تتغلغل في عمق الذات لتقيم هناك منبعثة كلما لاح عطش لقطرة ماء.
إنه الشاعر "علي الجندي"... الشاعر الذي لا يعرف للشعر وصفاً، وزمناً... إنه حالة يعيشها... حالة تجتاحه وتقيم فيه دونما استئذان... إنه ذلك الذي يعيش هناك، في الجهة الأخرى... هو جزء من الريح والعتمة والإشراق والفسق، وينبعث من قطرة ماء.. هو جزء من طبعة يعيشها بينما نحن نراها... يقول أفلاطون أن الشعراء لا يكونون بكامل وعيهم حين ينظمون أناشيدهم الجميلة، حين يقعون تحت سطوة الموسيقى والوزن يكونون ملهمين وممسوسين، فالشاعر شيء خفيف ومجنح ومقدس، وليس فيه أي إبتكار ما لم يكن ملهماً وخارجاً عن صوابه ولا يكون عقله معه، وحين لا يكون في هذه الحالة يكون عاجزاً وعني قادر على البوح بإلهامه... ما هي الحالة التي يكون فيها عند الإنصعاق بالشعر؟ حالة التوحد مع الطبيعة؟ أم مع الذات؟ أم الدخول في "الحال" الذي عرفه الصوفيون؟ إنه يكتشف قدراته الخارقة التي تجعله قادراً على رؤية ما لا يُرى في الحال الذي عرفه الصوفيون؟ إنه يكتشف قدراته الخارقة التي تجعله قادراً على رؤية ما لا يُرى. إقرأ المزيد