تاريخ النشر: 01/01/1998
الناشر: دار ورد للنشر والتوزيع
مدة التأمين: يتوفر عادة في غضون أسبوعين
نبذة نيل وفرات:"وراء المدينة كهل. منذ الدهور الأولى يعيش في كهف عتيق. التقيت به يوماً وأنا عائد من رحلة صيد. في وجهه سمات القدم وخلق بحر عينيه الصافيتين يقوم جلال السنين والمهابة. سلاماً أيها المحترم. قلت. خيل إلي بأنه رقعني من زاوية عينيه وأدباً مجيباً. كانت رحلتي مضنية. التعب أفرغ أعصابي ...في القدرة على السير، والعطش نبّ في الحشاشة فايبسى العروق. سألته: ماء جدي. الديك ما يبل الريق؟ نحو أحجة سنديان صغيرة، رنادون أن ينبس تحركت نحوها فإذا بزمزمية يقطين مملوءة بالماء. شربت كما يشرب صياد قذف منذ الصباح ساعات ممضة تحت الهجير، في سفوح ووديان غارت ينابيعها. على صخرة كبساط مستدير استوى الشيخ. أمامه كتاب قديم مهلهل الصفحات، أصغرها. لكنه فسيح كالسهول راح يقرأ فيه. بعد أن شربت استلقيت قرب الكهف فشعرت بحرارة الأرض وبالرهبة أيضاً. لماذا هو صامت؟ قالت النفس وقالت أيضاً: ربما كان من أولئك الذين قالت لي جدتي عنهم. تذكرت حكاياها وأساطيرها القديمة التي كانت ترويها لي في العشيات: كهوف نائية مهجورة خلف مدائن الإنسان، نحتت في الصخر، يعيش فيها بشر عافوا المدن.
غادروا أجسادهم واكتفوا بالمنّ والسلوى ينزل عليهم من ضمير الغيب. يعمّرون آلاف السنين، أرواحهم تغادر العالم متى شيء لها، ثم تعود لخطف البصر". في قصصه حيدر حيدر مسحة جمالية تعبر عن مدى ارتقاء الإنسان في صنع سرديات إلى حد الإبداع، فأحداثه حركة حياة زاخرة بالحياة بكل ما تحويه من فكر وفلسفة وواقعية دون إغفال العطاء التعبيري الذي يحلق بالقارئ إلى حيث مجالات الخيال الرائع.نبذة الناشر:منتشياً يهزّ خلدون رأسه، كأنما دخل الآن حلقة من حلقات الذكر: مما أخاف؟ ماذا أملك حتى أخاف؟ الأراضي الشاسعة لا تغيب الشمسُ عنها. القصور والفنادق التي ورثتُها عن جدّي. سياراتي. زوجاتي. المناصب الحكومية التي أتقلب فيها. وأرتشي منها. أم الذكرياتُ العذبة والسعيدة؟ أنا خلدون العابر في هذه الدنيا. الأرض كلُّها فراشي والسماء غطائي. لا حدود ولا قيود. أينما يطيب لي المقام أقيم. عصفور مهاجر في دنيا الله الواسعة. رفيق الشمس والليل ملكي. أنا والريح صحابٌ من يوم ماطردوني من البيت والمدرسة. بيني وبين البحر والقمر ألفةٌ قديمة. الذي لا يملك شيئاً لا يفقد شيئاً. الله يسامحكم بجميع هذه الممالك الزائلة.
لقد صدق جدّي يوم قال: يأتي زمان غريب يا خلدون، يصير الناس فيه غير الناس والدنيا غير الدنيا. زمن لا لون له ولا طعم، رائحته كرائحة الجِيَف. يصير الكذبُ فيه صِدقاً، والهياج والقوّة عقلاً، والظلام نوراً. عالم هو إلى عالم الحيوان أقرب. القويُّ يفترس الضعيف، والغنيُّ يقتنص الفقير، والجاهلُ يحكم العاقل، والجبانُ يسوس الشجاع. إقرأ المزيد