مميزات لغات العرب وتخريج ما يمكن من اللغات العامية عليها وفائدة علم التاريخ من ذلك
تاريخ النشر: 01/01/2021
الناشر: دار المقتبس
نبذة نيل وفرات:إن اللغة العربية من الفوائد خزائن لا تنفد، وكنوزاً لا تغنى، وبدوراً لا تحجب، وعيوناً لا تنضب، ورياضاً لا تذوي، ولكن لا يصل إليها إلا من غاص بحرها وولى وجهه شطرها، وسيركُنْه أغوارها، وجاس خلال ديارها، وجاب نجادها ووهادها، ومراد مروجها، وورد مناهلها، وكم في زواياها خبايا مستكنة يعثر ...عليها الباحثون، وخفايا مستورة لا يقف عليها إلا المنقبون، وكم بكهوفها البعيدة المنتهى، وفي شعابها العديدة التشعب، من معادن نفيسة، وجواهر كريمة، تظهر لطالبها من عمل على استخراجها، ووجّه إليها عوامل البحث بمعاول الفكر، يؤمها دليل من التبصر، يحمل مصباحاً من التنبه يضيء غياهبها، ومغناطيسياً من التدبر يرشدها إلى مقاصدها [...].
وهذا ما سعى إليه المؤلف من خلال كتابه هذا، إذ، كما يشير قد هدته ممارسته لهذه اللغة الشريفة إلى أصل عظيم في استنباط التواريخ، واكتشاف مجهولاتها، أوقفته على طريق قديم يسلك منه إلى إبراز كثير من أسرارها الغامضة، وحلّ طلاسها المستعصية، ألا وهو (الإستدلال بطريقة الكلام).
وعليه، فقد اشتملت هذه الدراسة على بابين، الأول، ذكر الأشياء التي اتفردت بالتكلم بها شعوب مخصوصة من العرب وامتازت بذلك لغتهم عن اللغة الشائعة بين أحيائهم، وذلك لأن اللغة العربية وإن كانت في ذاتها لغة واحدة مغايرة للغة الفرنسيين والإنجليز والألمان وبقية الأمم إلا أنها تتعدد بالنسبة للإختلافات التي توجد على ألسنة المتكلمين بها، فلغة هذيل غير لغة عقيل، ولغة قيس غير لغة أسد، ولغة تميم تغاير لغة الحجاز، وهلمّ جرّا والإتحاد والتعدد من جهتين مختلفين، فلا تناقض في الكلام، ويمكن تشبيه ذلك بإفراد بني آدم، فإنهم يتحدون جميعاً في الحيوانية الناطقة بحيث يطلق على كل فرد منهم لفظ إنسان، ولكنهم يختلفون بمميزات أخرى، فكل: الطول، والقصر...
على أن ذلك أمر موجود في كل اللغات، فالخبير بلغة الفرنسيين مثلاً يمكنه أن يميز الباريسي من المارسيلي والإثنين من المونيلي فعندما يُسمع كلامهم، مع أن كلاًّ يتكلم اللغة الفرنسية.
هذا بالنسبة لدعامة هذه الدراسة المثقلة بالباب الأول، أما الباب الثاني، فقد دار حول الفروق التي توجد في اللغة العامية، وبها يحصل امتياز قوم عن قوم، وهذه الفروق كما لا يخفى على من يلقى سمعه إلا عظيمة جدّاً.
فلهجة أهل مصر تحالف لهجة أهل الشام، بحيث يعرف بذلك المصري في الشام، ولو كان متزيّناً بزي أهل الشام، والشامي في مصر ولو كان متزيّناً بزي أهل مصر...
ومن استوفى الباحث هذين البابين فليس عليه إلا أن يقارن كل شيء بما يماثله، أو بما يقاربه، ويخرج كل خاصة من خواص اللغة العامية على خاصة من خواص اللغة الصحيحة...
فقد تبين لك بما ذكرناه أن هذين البابين هما أساس هذا الموضوع (الإستدلال بطريقة الكلام) فمن أدرك الوطر منهما فقد أدرك أرَبَه من الموضوع وظفر منه بما يبتغيه [...].
وتجدر الإشارة إلى أن ما اشتمل عليه الكتاب مثل الرسالة التي قدمها المؤلف لمؤتمر المستشرقين في (ويانا) سنة ١٨٨٦م. إقرأ المزيد