الرحلة القسطنطينية أو إقامة عام في عاصمة الإسلام
تاريخ النشر: 14/04/2022
الناشر: دار المقتبس
نبذة نيل وفرات:عاش الشيخ محمد رشيد رضا (1856 - 1935م) فترة تعدّ من أخصب فترات تاريخ الشرق العربي الحديث بأحداثها السياسية وتقلباتها الفكرية.
ولم يكن الشيخ خلالها شخصاً عادياً، بل كانت إسهاماته الفكرية ومواقفه السياسية هي التي وضعته بين طائفة المصلحين والإسلاميين في القرن العشرين.
وإلى ذلك، وبالإضافة إلى كون محمد رشيد رضا ...مفكراً من رواد الإصلاح الإسلامي الذين ظهروا في تلك الفترة، في مطلع القرن الرابع عشر الهجري، إلى جانب ذلك كان الشيخ صحفياً وكاتباً وأديباً ولغوياً؛ وهو أحد تلامذة الشيخ محمد عبده، أسس مجلة "المنار" على نمط مجلة "العروة الوثقى" والتي أسسها الإمام محمد عبده، ويعتبر حسن البنا أكثر من تأثر بالشيخ رشيد رضا الذي ولد سنة (1856م) "القلمون"، وهي قرية من قرى لبنان، تقع على شاطئ البحر المتوسط من جبل لبنان، وتبعد عن طرابلس الشام بنحو ثلاثة أميال، وقد اتخذ من قريته تلك ميداناً لدعوته الإصلاحية، فكان يلقي الدروس والخطب في المسجد بأسلوب سهل بعيد عن السجع الذي كان شائعاً في الخطب المنبرية، مختاراً آيات قرآنية تكون لها مدلولاتها فيما يعينه على أن يكون وعظه مدعوماً بالحجة المستمدة من القرآن الكريم ثم السنة، مبسطاً لهم الأحكام الفقهية، للإلتزام بها، محارباً المبدع والأهواء.
ولم يكن يحدّه حيّز زماني ومكاني للمضي في دعوته إلى الله تعالى وإلى الإسلام الصحيح، والعودة بالمسلمين إلى القرآن الكريم والسنة في أمور دينهم ودنياهم.
ولم يقف الشيخ محمد رشيد رضا عند هذا الحدّ، فقد كانت نشاطاته تشمل الإصلاح التربوي التعليمي والأخلاقي، وهذا ما تكشف عنه رحلاته، الذي كان وراء كل واحدة منها هدف من الأهداف السامية التي ترتقي بالأمة الإسلامية إلى أعلى المراتب، وعلى جميع المستويات وفي كل المجالات: الدينية، والسياسية التربوية، التعليمية والإجتماعية.
وتأتي رحلته هذه "الرحلة إلى القسطنطينية..." خير دليل، فبعد رحلته في العام الذي سبق هذه الرحلة، وهو العام الأول لإعلان الدستور" بعد ما شهدته الدول العربية من استبداد، كانت رحلته إلى الديار السورية وكما يذكر..." لإختبار رحال البلاد بعدما عاشت فيها حكومة الإستبداد، وللوعظ والإرشاد، والحث على الإتفاق والإتحاد، وبيان مزايا الدستور، وفوائده وما يجب على الأمة من العمل للتقدم في عهده [...].
أما الرحلة إلى القسطنطينية التي تزامنة مع العام الثاني للدستور، فقد كان الهدف منها، وأيضاً كما يذكر: "للسعي في أمرين عظيمين؛ أحدهما - وهو أجلّهما - : "خدمةً للدين الإسلامي ولجميع المسلمين [...] وذلك من خلال إنشاء معهد ديني علمي في العاصمة، للتربية الإسلامية الصحيحة الكاملة بإلتزام آداب الإسلام العالية وأخلاقه الفاضلة وعباءته المطهّرة للأرواح من الفرائض والنوافل؛ كالقيام والصيام وكثرة ذكر الله عزّ وجلّ، والجمع بين هذه التربية والتعليم الإسلامي الذي يكون وسيلةً لسعادة الدنيا والآخرة؛ كالتفسير والحديث والتوحيد، وحكمة التشريع، والأخلاق والسيرة النبوية الشريفة، وتاريخ الإسلام، وأصول الفقه فروعه، ووسائل ذلك من اللغة وفنونها، وكالفنون الرياضية والطبيعية والصحية والإقتصادية التي هي وسائل عمران الدنيا وتقوية الملّة والدولة [...].
مشيراً هنا إلى منافع تلك المعاهد الإسلامية التي كان ينوي إقامة صروحها منها: 1- تعزيز دولة الخلافة وتأييدها يجعل عاصمتها ينبوعاً للإسلام وتقوية الملّة والدولة، 2- تخريج العلماء الذين يقدرون على الدفاع عن الدين على النحو الذي كان يدافع به الإمام محمد عبده، 3- تخريج الدعاة إلى الخير والمرشدين للأمة، الذين يقومون بما فرضه الله تعالى على المسلمين من الدعوة والإرشاد.
أما الأمر الثاني الذي كان يسعى إليه محمد رشيد رضا من وراء رحلته هذه فهو كما يذكر: "إزالة ما وقع أخيراً عن سوء التفاهم بين عنصري الدولة الأكبرين: العرب والترك [...].
مبيناً أنه كان قد شرح هذا في مقال مطوّل نشر في جريدة "إقدام" مترجماً بالتركية، مشيراً إلى أن ذلك المقال لاقى استحساناً عند فضلاء الترك؛ وحيث أنه لم يتم إنجاز ذلك المشروع، أي إنشاء معهد إسلامي في حينه أي في فترة رئاسة حسين حلمي للحكومة آنذاك فقد كان لتلك الرحلة جزء ثانٍ للمضي في تحقيق تلك الأمنية...
وهكذا يمضي الإمام محمد رشيد رضا في بيان ما جرى معه بالتفصيل، مبيناً اللقاءات التي كان يعقدها في سبيل هذا الفرض، والحوارات التي كانت تجري، ومواجهته لكل المواقف التي تعرض إليها، التي كانت تقف حائلاً دون ذلك للمضي نحو ذلك الهدف.
وتجدر الإشارة إلى أن هذه الرحلة وسائقها، وما جاء حولهما، وما جرى فيهما إنما يعتبر وثيقة تاريخية مهمة لتلك الفترة الزمنية من الحكم العثماني.
والكشف، بشكل موثق عما شابه من أقوال وأفعال، ربما يعمل على تصحيح ما ساد حول تلك الحكومات من تلك الآونة، بصورة خاصة، والحكم العثماني بصورة من أخبار وأقاويل مغلوطة. إقرأ المزيد