فريدة التأليف وشريدة التصنيف ؛ من فتح الله الخبير اللطيف
(0)    
المرتبة: 111,475
تاريخ النشر: 10/02/2022
الناشر: دار المقتبس
نبذة نيل وفرات:"فريدة التأليف وشديدة التصنيف" من تأليف الشيخ عبد الفتاح بن محمود بن أحمد بن شعبان ابن الصبّاغ، المعروف بفتح الله الموصلي، ولد في الموصل سنة 1091هـ، وطلب العلم على يد والده الشيخ محمود، ثم انتقل في شبابه للدراسة في المدرسة الحيدرية في "ما وارن" في بلاد الكرد شمال العراق.
وفي ...سنة 1121 حلّ نزيلاً في المدرسة القادرية ببغداد، وبقي فيها سنتين ملازماً للشيخ خليل الخطيب البغدادي الذي منحه إجازة في التفسير والحديث، نبغ الشيخ فتح الله في العلوم في سنّ مبكرة، وارتفع شأنه في العراق بعد أن اكتملت معارفه، وغدا من العلماء المشار إليهم بالبنان، يقصده الطلاب من مختلف النواحي، ونال حظوة بين علماء عصره والأعيان، وعدّوه مرجعاً في حل المشكلات العلمية لكن الشيخ فتح الله كان يقاسي ظروفاً إقتصادية وسياسية صعبة جعلت حياته في الموصل مستحيلة، وأرغمته تلك الظروف على الهجرة من موطنه الأم في سنة 1139 إلى بلدة دارنده - الكائنة في وسط هضبة الأناضول - بصحبة حسين باشا الدرندوي (ت 1156)، آخر ولاة الموصل الأتراك قبل انتقال مقاليد الحكم فيها إلى أسرة محلية هي آل الجليلي.
توفي الشيخ فتح الله بدارنده سنة 1162 بعد حياة حافلة في العلم والتدريس والتصنيف، ولكن أدّت هجرته إلى تلك البلاد النائية الخاملة إلى انقطاع أخباره عن العراق، ولم تمض سوى بضعة عقود حتى طوي اسمه في غياهب النسيان.
وهنا يشير المحقق، إلى أنه لم يجد ذكر سوى من إشارات متفرقة في بعض كتب التراجم، أما عن علاقة بالشيخ فتح الله الموصلي، مؤلف كتاب فريدة التأليف، فهي ترجع، والكلام للمحقق، إلى مطلع عام [2015م]، حين عثر في مدينة قونيا التركية على عدد كبير من آثاره الخطيّة، حيث عكف، منذ ذلك الوقت على جمع تراثه من خزائن المخطوطات في العالم، مشيراً أنه لم يمض وقت طويل حتى تبين له أنه أمام تراث علمي ضخم، حيث فاق مجموع ما عثر عليه أربعين مجلداً خطّياً تضمنت حوالي مائة كتاب ورسالة، جُلّها بخط الشيخ فتح الله.
أما مجموع ما استقصاه المحقق من عنوانات مؤلفاته ومصنفاته فيزيد على 240، ليؤكد بأن هذا ما يجعله واحداً من أغرز المؤلفين العراقيين تأليفاً وتصنيفاً في القرن الثاني عشر الهجرة.
وإلى ذلك، فقد تبين للمحقق، ومن خلال دراساته التحليلية لمؤلفات الشيخ فتح الله الكثيرة، التي وصلت، أنه كان ذا نظرة تأملية دقيقة ومنهجية في التأليف، وصناعة الكتب، ووجد إشارات وتلميحات إلى هذا الإلتفات الخاص، والعناية البالغة بعلوم التأليف وآدابه في كثير من آثاره الخطية: بدءاً بأولى مؤلفاته - كان قد ابتدأ التأليف ولما يتجاوز السابعة عشرة من العمر - ومروراً بتأليفه كتاب "فريدة التأليف" - الذي بين يدي القارئ - وقد أدرج فيه خلاصة تأملاته واكتشافاته في هذا الموضوع حتى سنة 1134، ثم وصولاً إلى المصنفات التي وضعها قبل وفاته بقليل، التي بقي يدوّن فيها ما كان يستجدّ لديه من الخواطر والأفكار المتعلقة بعلم التأليف وفق التصنيف، حيث عمل المحقق على تتبع مسيرة تطور أفكاره حول علم التأليف في آثاره الخطية وذلك ما أورده في مقدمة الكتاب، مثبتاً النصوص التي أتى على ذكرها في الملحق آخر الكتاب.
وبالعودة، فقد أراد الشيخ فتح الله الموصلي من كتابه هذا أن يكون نصّاً تأسيسيّاً لعلم التأليف، حيث يقول: "فإن هذا المؤلَّف ميزان تأليفات المؤلفين، وقسطاس تصنيفات المصنفين، فكأن مؤلِّفه واقفٌ على منبر التأليف وكرسيّ التصنيف واعظاً للمتقدمين والمتأخرين، مرشداً لأرباب التأليف أجمعين، مهدٍ إليهم هذه البضاعة المزجاة، مرسلٌ إليهم من كلامهم هذه الكلمات.
"قسّم الشيخ كتابه إلى فصول لا يحكمها نظام واضح سمّاها "فرائد" و"شرائد" تتخللها مباحث كثيرة لم يعقد لها عناوين، ومع ذلك، فالكتاب في مجمله مرتبٌّ ترتيباً منطقياً، ويمكن تقسيم الكتاب - كما هو - إلى ستة أقسام رئيسية متتابعة: (1) ذكر الشيخ في المقدمة موضوع الكتاب، ومناسبة تأليفه، وأهميته في موضوعه، ثم لمكانة العلم وارتباطه الوثيق بالتأليف، عرّج عليه بشيء من التفصيل، مبيناً فضل القرآن الكريم والسنة المطهرة، وآداب العالم والتعلم، وآفات الإشتغال بالعلم، وحكم تعلم العلوم، وختم بإيراد أنماط مختلفة في تصنيف العلوم (2) يبدأ هذا القسم بـ "شريدة" في الحديث الشريف، وسبب جمعه لأنه "أشرف كلام الخلق".
ويأتي ذكر شرف القرآن الكريم ثانياً - والحديث أولاً - لعلّة منهجية، ذكرها في الكتاب وغيره، وهي أن القرآن لا يصح أن يسمى "مؤلفاً" لأنه كلام الله الأزلي، وفي سياق الحديث على القرآن مباحث في فضل القرآن واحتوائه على جميع العلوم، وفلسفته التفسير، ثم التعريف بأشهر التفاسير والموازنة بينها.
وينتهي هذا القسم من الكتاب بـ "فريدة" حول صحيح البخاري - الذي ان يعدّه أفضل الكتب المصنفة للبشر - ثم بأنواع الحديث المشهورة (3) يدخل الشيخ في القسم التالي من الكتاب في صلب موضوع التأليف والتدوين، فيورد مباحث عامة، منها: تعريفات لبعض المصطلحات الرئيسة كالتأليف والتصنيف، ومسؤولية المؤلف، والقارئ، وللمستمع للمؤلفات، وتفوق الأمة الإسلامية على سائر الأمم في مجال التأليف، والحكم الشرعي من تأليف الكتب مطلقاً، وتدوين العلم... (4) ينتقل الشيخ فتح الله بعد ذلك إلى عملية التأليف نفسها، يبدأ هذا القسم بالتعريف بأنواع المؤلفات السبعة التي "لا يؤلف عالم متقن إلا فيها"، فوائد التأليف، وواجبات المؤلف... (5) ونظراً لتشعب المباحث وتداخلها، يُلاحظ بعض الخلل في التسلسل في هذا القسم من الكتاب، الذي يبدأ بـ "بفريدة" بعنوان: "يحصل المؤلف أجور من انتفع بمؤلَّفه، فإن الدال على الخير كفاعله"، ثم بباب حول إشارات القرآن الكريم إلى قواعد المؤلفين، يعود بعدها إلى ذكر أنواع التأليف، وعادات المؤلفين ثم يورد كلاماً في حبس الكتب وكتمان العلم.
ويناقش الجدال الواقع حول النظر في كتب المتصوفة (6) ينتهي كلام الشيخ فتح الله حول علم التأليف في القسم السابق، لكنه أثبت في هذا القسم الأخير "شرائد" و"فرائد" أغلبها منقول نصّاً من كتب مشهورة، وهي: ذكر أصناف الحكماء، ذكر النحاة والنحو، ذكر أصول التفسير، ذكر القرآء، ذكر التفسير... [...].
ونظراً لأهمية هذا الكتاب، فقد تم العمل على تحقيقه، وجاءت منهجية التحقيق على النحو التالي: 1- إخراج النص كما ضَبَطه مؤلفه، مع الإجتهاد في ضبط الكلمات المبهمة، تقصي المصادر التي اعتمدها المؤلف، والإحالة إلى مطبوعاتها في الهوامش، مع الإشارة إلى الإختلافات الواقعة بينها وبين النصّ الأصلي، 3- لخلوّ الكتاب من عنوانات فرعية، اجتهد المحقق في تقسيمه إلى فصول "معنونة جعلها في بداية المباحث ذات الوحدة الموضوعية، لتيسير قراءة النص والإستفادة منه، 4- إثبات التعليقات التي ورد بخط المؤلف ("منهوات") في حواشي النسخة الخطية وذلك في الهوامش بين علامتي تتصبص خاصة بها (" ")... إقرأ المزيد