تاريخ النشر: 11/04/2022
الناشر: دار الكتاب الجديد المتحدة
نبذة نيل وفرات:يُعدّ فردينان دو سوسيد ، على نطاق واسع ، رائد علم اللغة الحديث ومؤسس المدرسة البنيوية في اللغة ، إذ كان أوّل مَن أسّس الدراسة البنيوية للغة كما حدّد الفرق بين منظومة اللغة ( اللسان ) وكلام الأفراد ( الكلام ) ، وكان أوّل من ميّز بين المنهج " ...التزامنيّ " في دراسة اللغة ( أي دراسة اللغة في زمن معيّن ) والمنهج " التعاقبي " ( أي دراسة اللغة من خلال تغيّرها عبر الزمن ) ، فضلاً عن تأثيره في ميادين المعرفة الأخرى كالفلسفة والأدب والسيمياء . إن أهمية تأثير فردينان دو سوسيد من خلال نظريته اللغوية مُعتَرَف بها على نطاق واسع لا ضمن حقل علم اللغة فحسب ، بل في الميادين العلمية الأخرى مثل علم الأنثروبولوجيا ونقد الدراسات الثقافية . درّس سوسيد ثلاثة مقدرات في علم اللغة العام في جامعة جنيف بين عامي 1907 و 1911 ، وكان تدريسها على شكل محاضرات ألقاها على تلاميذه . فقد قام إثنان من زملائه في جامعة جنيف وهما شارل بالي " و " ألبير سيشهاي " في عام 1906 - مع البير ريد لنفر - بتجميع أجزاء الكتاب على عبالة بُعيد وفاة سوسيد المبكّرة ، وقد صنّفا أحدث المدوّنات لدى تلاميذ سوسيد وقصاصات صغيرة وشذرات من الملحوظات مكتوبة بخطّ يده ، وبتحقيق النسخة المعروفة من كتاب " دروس في علم اللغة العام " ونشرها . بقيت هذه النسخة ذات تأثير كبير لعقود من الزمان بعد نشرها . أصبح المحيط الأكاديمي الناطق باللغة الفرنسية لما يقرب من قرن من الزمان هدفاً - إلى حدّ الإغراق - لإصدارات تختص بكتاب سوسيد دروس . وقد ترجم الكتاب في وقت مبكّر إلى اللغات الأخرى ، وتمّ ترجمته إلى اللغة الإنكليزية عام 1959 ، وهي الترجمة التي أنجزها الأستاذ الأمريكي ويد باسكن . وعليه فقد تعزز اهتمام علماء اللغة في العالم الناطق باللغة الإنكليزية بأفكار سوسيد وذلك بعد ترجمته مرة أخرى على يد أستاذ علم اللغة في جامعة أكسفورد " روي هاريس " في عام 1983 ( وهو مؤلف كتاب سوسيد ومؤوّلوه الذي بين يدي القارىء ) . ولعلّ اشتغال هاريس بالدراسة النقدية والبحث المتخصص بأعمال سوسيد قد أسهم كثيراً في وضوح الرؤية وسعة الأفق لدى هاريس عند تصدّيه لتلك الأعمال . وفي الوقت نفسه أثار هاريس تساؤلاته بشكل قاطع ، وهي تخصّ أصالة فكر سوسيد اللغوي من ناحية ، والظروف التي جُمّع الكتاب فيها بعيد وفاة سوسيد من الناحية الأخرى . إلا أن الكثير من الباحثين في مجال العلوم الاجتماعية - في نهاية القرن العشرين - قد ترك سوسيد والسيمولوجيا والبنيوية وراء ظهورهم . ولكن عندما انتشرت الأنباء - بشكل مفاجئ - تفيد أن كنزاً من المخطوطات الأصلية قد اكتشف ، أدى ذلك إلى تجديد الاهتمام بسوسيد بين المختصين وغيرهم ، وقد نشرت تلك المخطوطات جزئياً في عام 2002 ، ثم توالت المراجعات النقدية المقتضبة التي كان الغرض منها جلب الإنتباه إلى بعض الإصدارات المهمة جداً ؛ سواء أكان سوسيد فيها مؤلفاً أم موضوعاً لتلك الإصدارات التي تركت بصمتها على العقد الأول من القرن الحادي والعشرين ، وقد وفدت أفكار سوسيد وكتاباته إلى الشرق الناطق باللغة العربية ، شأنها شأن باقي المدارس الفكرية والمذاهب النقدية التي وفدت إلينا على مرّ السنين وأصبحت البنيوية مدرسة يدبّج فيها الباحثون الكثير من الكتب والمقالات ، وتدور حولها المناظرات . وتجدر الإشارة إلى أنّ كتاب سوسيد " دروس " قد ترجم خمس مرات في بلدان عربية مختلفة ، وهذا دليل على المكانة التي احتلتها كتابات سوسيد لدى الباحثين والمثقفين الناطقين باللغة العربية . من هنا تأتي أهمية هذا الكتاب ، في كونه محاولة جريئة في التحليل والنقد لآراء سوسيد وأفكاره التي تشكّل نظريته اللغوية من ناحية ، ولكونه تقصّياً دقيقاً ودؤوباً لما كتبه الأعلام من المشتغلين بعلم اللغة . وفي ذلك درسٌ بليغ لا يبلغنا أن المفكرين والمنظّرين ليسوا بمنأى عن حكم الناقد المنصف وأدواته التحليلية . وإن كتابات سوسيد ليست نصوصاً مقدّسة ؛ بل هي تحمل أفكاراً تحتمل الصّحة والخطأ ، وهكذا ينبغي مناقشتها ونزع صفحة القدسية عنها . في كتابه هذا ، يقوم هاريس بدراسة متأنّية لتأويلات عدد من المفكرين لنظرية سوسيد وهو يؤدي ذاك من خلال التركيز على عدد قليل من المفكرين الذين يحتلون جمهور المؤولين ، ويضم الكتاب بين دفّتيه فصولاً نتطرّق إلى تأويلات تلامذة سوسيد وأعلام آخرين هم : بلو مفيلد ، وهليمسلين ، وباكوبسن ، وبارنا ، وليفي ستروس ، وتشومسكي ، وديدرا ، . وأخيراً فإن هذا الكتاب يمثّل في جوهره دراسة لتاريخ الفكر بتصديه للمسألة الشائكة الخاصة بتأثير أفكار مفكّر مثل سوسيد في المفكرين الآخرين . إقرأ المزيد