مذكرات قائد عربي عبد الفتاح أبو النصر اليافي
(0)    
المرتبة: 173,173
تاريخ النشر: 01/01/2019
الناشر: دار الفارابي
نبذة الناشر:لبى الشباب بأجمعهم النداء ووزعت الألبسة على الجنود كما وزع عليهم السلام وأخذوا بالتدريب العسكري، ثم في شهر آب جرى نقل كافة الجنود إلى حمص بالقطار الحديدي وقد اتخذت حمص مركزاً لتوزيع الجنود على الجبهات لأن رجال الآستانة كانوا مصممين على الإشتراك في الحرب.
وهكذا خلت أسواق طرابلس من الرجال، ...ولم يبق سوى النساء والأولاد ومن سمحت له أحواله المالية بدفع البدل النقدي عن الإنخراط في الجندية والبالغ ٤٣ ليرة عثمانية نقداً وعداً لصندوق الخزينة ويعفى الدافع عن الخدمة العسكرية.
وكانت البلاد تستورد كل ما تستهلكه من الخارج، وأول ما ارتفعت أسعاره البترول، لأنه لم يك في طرابلس كهرباء للإنارة بل كان الأهلون يستخدمون زيت البترول، وهكذا ارتفع ثمن الصفيحة من ٤/٣ المجيدي إلى ٢ و٣ و٤ وصولاً إلى ليرة عثمانية ذهبية ثم نفد زيت البترول.
وهكذا السكر فقد ارتفع ثمن الرطل من ٤/١ مجيدي إلى ليرة عثمانية ذهب وصار يباع في الصيدليات كالدواء وفقد من الأسواق واستعيض عنه بالدبس، والقهوة فقدت واستعيض عن البن بالحمص والذرة البيضاء.
أما سائر الأصناف من ملبوس وخرضوات وجلود، وقد ارتفعت بشكل جنوني خصوصاً المسامير والجلود، وشيئاً فشيئاً ارتفعت أسعار الخبز من أربعة متاليك للرطل الواحد إلى نصف ليرة عثمانية ذهبية وعبثاً حاولت الحكومة إيجاد دائرة للإعاشة فأخفقت لأن الغلال كان يشتريها الألمان وينقلوها إلى ألمانيا، وما يقال عن طرابلس يمكن تعميمه على كثير من المدن العثمانية العربية خصوصاً ومكونات سكانها بدأت تغلب عليه النقصان في أعداد الذكور المرتفع أعداد الإناث، فرجالها وشبابها صاروا من الحضور والقليل، أخذوا إلى جبهات الموت بداية (من سن ٢٠ حتى سن الـ ٤٥) بمعنى أيضاً أن ٢٥٪ - ٣٥٪ من السكان اقتلعوا، أخرجوا من الحياة الإقتصادية - الاجتماعية - الثقافية للبلد، خارج الدورة الإنتاج، وخارج وطنهم، فعائلاتهم إلى أي حالة اجتماعية - اقتصادية - أخلاقية سيكون مصيرهم.
كاتب هذه المذكرات مثله كمثل أي مواطن عاش في ظل العلم العثماني وكان محباً للسلطنة حتى الفداء بدمه وروحه، إلى أن أتت حرب الترعة شباط / فبراير ١٩١٥.
وتغيرت وجهة الفداء لآلاف المستظلين بالعلم العثماني، ثم إعدامات المتنورين العرب في أوائل آب ١٩١٥ لتزيد الشرخ أكثر ثم إعدامات أيار ١٩١٦ وإعلان الثورة العربية في حزيران ١٩١٦ والمزيد من سياسة التتريك وإلى جانب التجويع والتجنيد الإجباري الملاحقات في بلاد الشام ما غيَّر وجهة الفداء والإنتماء لملايين العثمانيين العرب. إقرأ المزيد