تاريخ النشر: 01/01/2019
الناشر: منشورات ضفاف
نبذة الناشر:حين تفتقر العلاقة بين طرفين إلى التكافؤ، قد يترتب على ذلك أن يستغل الطرف القوي الطرف الضعيف، ويلعب دور المتبوع، يملي إرادته عليه، ويرهقه بطلباته التي لا تنتهي، وأن يُستغَل الثاني من الأوّل، فيلعب دور التابع، وينفذ أوامره والتعليمات. بذلك، تغدو العلاقة استغلالاً يمارسه القوي، ويتلذذ في ممارسته، من جهة، ...وعبئاً ينوء به الضعيف، ويتطلع إلى التحرّر منه، من جهة ثانية. يحدث هذا حين يكون طرفا العلاقة سويين، يخضعان لميزان القوى، فكيف حين يكونان غير ذلك، ويعانيان أعطاباً مختلفة؟ وهو ما نراه في رواية "فيلا الفصول الأربعة" للروائي الجزائري إبراهيم سعدي (منشورات ضفاف ومنشورات الاختلاف)
الطرف الأول في العلاقة غير المتكافئة، في الرواية، هو أحمد ياطو، الكاتب المغمور والوزير السابق، المقيم في المدينة والمتحدر من أصول ريفية، الانتهازي الذي تبرر الغاية عنده الوسيلة، ولا يتورع في سبيلها عن التنكر لأخيه الذي رباه والخجل به، وعدم حضور جنازة أمه، وقطع علاقته بصديقه التابع، والانقطاع عن جذوره. والطرف الثاني هو الهادي، اللقيط الذي لا يعرف أصله وفصله، العازف عن الزواج لأنه يعتبر أن الإنجاب جريمة يرتكبها الأهل بحق أطفالهم، المتفاني في خدمة صديقه المتبوع إلى حد امّحائه فيه، وتخليه عن شخصيته كرمى له. وهي علاقة تستمرّ ثلاثة عقود ونيّف، تبدأ من لحظة إنقاذ الصبي أحمد رفيقه الأصغر سناً الهادي من الغرق، وتنتهي، بشكلها المباشر، بوفاة أحمد، وبشكلها غير المباشر، برمي الهادي المسدس في وادي أبزيزا. وبين هاتين الواقعتين عدد كبير من الوقائع. وتحت جسرهما تتدفق مياه كثيرة. ولعله من المفيد الإشارة، في هذا السياق، إلى أن البداية النصية لا تتطابق مع البداية الفعلية السابق ذكرها، فتبدأ الرواية بموت أحد طرفي العلاقة بعد ثلاثة عقود ونيف من البداية الفعلية للأحداث، فيما تتطابق النهايتان النصية والفعلية في سير الطرف الآخر في العلاقة وحيداً على رمل الشاطئ، في محاولة منه لاستعادة عالمهما القديم، غير أن ما مضى لا يعود
على المستوى الفعلي، تبدأ العلاقة بين طرفيها بقيام أحمد بإنقاذ الهادي من الغرق فيما كانا يسبحان في مياه البحر، فتشكّل هذه الواقعة ديناً ثقيلاً في عنق المنقَذ، يستمرّ في تسديده طيلة ثلاثة عقود ونيّف، هي عمر العلاقة بينهما. فيحس بأنه مدين له في حياته، ويقوم على خدمته باسم الصداقة والوفاء، فيما الآخر يمعن في استغلاله. وتستمرّ من خلال وقائع كثيرة تشكل تمظهرات للاستغلال، من جانب الطرف القوي، وتمظهرات للعبودية، من جانب الضعيف. وتنتهي بموت الأوّل، وسعي الثاني لاحقاً إلى التحرر من ظله الثقيل
أما على المستوى النصّي، فتبدأ بموت أحمد، وقيام الهادي باستعادة فصول العلاقة بينهما، من دون أن يراعي بالضرورة خطية الاستعادة، معتمداً على ذاكرته ودفتر مذكرات صديقه، وما تمر به من مد وجزر، وصولاً إلى انتهائها المباشر بموت الأخير، وانتهائها غير المباشر بتحرّره من ظله الذي استمر يلازمه سنوات بعد الموت
وقائع الاستغلال
بمعزل عن هذا التفريق بين المستويين الفعلي والنصي لسيرورة الأحداث، يتمظهر الاستغلال في مجموعة من الوقائع التي تعكس سلطوية الشخصية المُستغِلَّة وانتهازيتها ونفعيتها ولامبدئيتها وازدواجيتها وخروجها على القيم والمواضعات الأخلاقية وانبهارها بالمظاهر الخادعة وقيامها بمنافقة الآخرين وخداع الذات، ما يعني أنّنا إزاء شخصية نرجسية، مريضة بحب الذات، وغمط الآخرين حقوقهم، فينفضّون عنها تباعاً، ويتخلّى عنها أقرب المقربين إليها. لذلك، يموت أحمد وحيداً في الفيلا المهجورة إلا منه
في هذا السياق، تطالعنا الوقائع الآتية: تكليفه الهادي بمراقبة بيت حبيبته هناء سالم التي رفض والدها تزويجها منه، الطلب إليه تأمين حاجياته ودفع ثمنها من جيبه، دفعه إلى أن يُسجن بدلاً منه إثر ارتكابه جريمة سرقة، مصادرة الرواية التي كتبها صديقه ووضع اسمه عليها والطلب إليه كتابة المقالات في تقريظ "كاتبها"، ارتياد المطاعم والمقاهي معه وعلى حساب الأخير، تكليفه الذهاب إلى مدينة "ن" على مسافة ساعات بالقطار لمدة تنوف عن الشهرين للبحث عن حبيبته المفقودة، عدم الاعتراف بفضل صديقه عليه أو توجيه كلمة شكر واحدة له، التعريض به بحضوره وغيابه شفاهةً وكتابة، تنكره له خمس سنوات….. إقرأ المزيد