تاريخ النشر: 27/06/2019
الناشر: مؤسسة الإنتشار العربي
نبذة نيل وفرات:ذاكرة الموتى .
" سمعت حكايات كثيرة عن الموت .. بعضها مخيف .. وأظنه الذي يحل ضيفاً غير مرغوب فيه فيخطف الأرواح الجميلة وينخر الأجساد ويجوّفها من الداخل ... .. كنت أتساءل دائماً لماذا لا نهرب من الموت ... ألا نستطيع مبارزته والتفوق عليه !! لماذا منذ ...الأزل لم ينجُ منه أحد !!لا أنحن جبناء أم هو قويّ جداً ؟! لماذا نستسلم ونمد له أيدينا ونمضي معه حيث يأخذنا دون مقاومة !! أسئلة كثيرة تدور في رأسي ولم أجد لها جواباً .. أصبح بائع البسكويت صديقي منذ رحل والدي إلى السماء فكنت أتحين الفرص لأبقى بجانبه وأستمع إلى حديثه . صديقي الجديد ظهر من الفراغ واللاشيء . لم أكن أعلم عنه شيئاً سوى أن إسمه سامر ويسكن خلف التل المقابل للقرية وأنه مثلي رحل أبوه يوماً ما . أخبرني يوماً ما ، أخبرني أنه يبيع البسكويت وبعض الحلوى ويتنقل بين القرى القريبة ويترك خلفه أماً عجوزاً ولا يعود إليها إلا عند المساء .. لم أذهب يوماً لزيارته في بيته فهو لم يتأخر عن موعده قط فكان يحضر صباحاً لنسكع معاً وأرافقه حين يمضي لكسب رزقه ، ونعود منهكي القوى عند المساء ليودعني عند مدخل القرية فأعود إلى البيت بينما يمضي هو إلى حيث لا أدري .. توطدت علاقتنا يوماً بعد آخر وأصبح ملازماً لي كظلي معظم النهار . حتى عند مرض أمي وارتفاع حرارتها كنت افضل الجلوس على عتبة الباب وانتظار مرور صديقي على أن أظل في جوارها لأسمع أنينها وشكواها المتكررة .. في إحدى الليالي رحلت أمي دون جلبة ... رحلت حين كنت أعبر الجسور واقفز تحت المطر وأضحك للسماء التي لا تهب لنا سوى العطايا ، وأسابق صديقي لالتقاط الحجارة ورميها في النهر ... عند عودتي إلى المنزل كانت أمي تنظر إلى السماء أيضاً .. يداها باردتان وعلى وجهها ابتسامة جميلة وكأن الموت جاءها حاملاً معه علب البسكويت .. هرعت في طرقات القرية أبحث عن سامر وأنا أخفي دموعي سألت كثيراً عن بيته فلم أجد أحد من يعرفه ويدلني على منزله .. وحين عثرت على البيت الوحيد خلف التل كنت قد فقدت الأمل .. لم استطع تمييز صوتها المصاحب لصرير الباب القديم ، وحين أعدت سؤالها عن صديقي أشاحت بوجهها بعيداً ثم نظرت إلي : سامر رحل منذ عام ، توفي إثر حادثة أليمة . اقتربت مني كثيراً لتنظر إلى وجهي . من أنت ولماذا تسأل عنه الآن بعد كل هذا الوقت ؟؟ لا أعلم كيف حملتني قدماي لأهرب من ذلك المكان وكيف استطعت رؤية طريقي إلى المنزل . في الصباح الباكر أخذوا أمي إلى المقبرة ، كان نعشها خفيفاً بارداً .. وحين شارفنا المقابر كان هناك شيخ كبير يرتدي البياض خطف النعش من بين أيدينا واختفى بين القبور مستبشراً ليوقظ الأموات لاستقبالها ، بينما كان يقف صديقي سامر هناك على حافة القبر المعدّ لأمي وهو يحمل علب البسكويت وعلى وجهه ابتسامة وكانت المرة الأخيرة التي أراه بها " . بين الواقع والحلم ... وبين الحقيقة والخيال تنطلق حكايا أنت في انطلاقتها إلا أن تكون من أرض الموتى .... . مجموعة قصصية تجتمع شخصياتها على وجع الحياة ... ورهبة الموت .. تمضي الكاتبة مقتحمة كينونة الإنسان في محاولة لاكتشاف أسرارها وأغوارها ... وهي في ذلك كله تأخذ في سردياتها أسلوب المنولوج الداخلي ... أتراها حقاً ترنو إلى سبر الأغوار ... أم هو الموت بغموضه هو الذي حملها على أجنحة الخيال .. في رحلة بحث وراء كنه الإنسان في حياته وبعد موته ؟ !! . إقرأ المزيد