تاريخ النشر: 19/06/2019
الناشر: مؤسسة الإنتشار العربي
نبذة نيل وفرات:" تقاسيم في ليل السراة "
" تعبر في سماء قريتنا محلّقة على ارتفاعات شاهقة ، ويبرق هيكلها المعدني على البعد في بقية من ضوء شمس الأصيل وكأنه نجمة متوهجة ، أو قطعةٌ من فضة ناصعة البياض . تمخر عباب السماء تسبح في وسط زرقة لامتناهية إلى ...حيث محطتها النهائية في مكان ما من بقاع الأرض الوسيعة ، مسرعة وصوتها يلاحقها ، تدنو به الرياح وتقصي ، فيتأرجح عبر المسافات منساباً كالأنين ، يوقظ في النفس مكامن الحنين ويبعث على الشحن ، ويصافح مسامعي كتقاسيم ناي في ليل السراة . ويفعل تكاثف البرودة في طبقات الجو العالية على سحب الدخان الذي تنفثه محركاتها اللاهبة ؛ يتكون خلفها خَيْطان رفيعان أبيضان كأنهما منسوجات من السحاب ، يمتزجان بكثافة كلما نأت ، قبل أن تشتتهما الرياح ، ويخالطان قطع سحاب الصيف المتناثرة . عندما تغيب تماماً ويتلاشى صوتها ويبتلعها سديم الأفق ، يهطل الظلام ، ويرين الصمت على الزوايا ، وتنطفىء الهمة في الحقول المجاورة ، وتستيقظ بين جوانحي كآبة مستبدّة ، فأحلق خلفها أتبعها بخيالاتي وطيوف أحلامي . أتخيل نفسي تارة بين ركابها مسافراً إلى جهات غير محددة ، وأتخيل المطارات التي ستحطّ فيها ، وأتخيل هناك في الغيب حياة مترفة ، ذات نمط مختلف من حياتي المتقشفة في قريتي المختبئة في أحضان جبل السراة الباردة . وتارة أتخيل نفسي محلّق بها ، أقودها بنفسي ، أمتطي بها متن الليل ، ومن حولي تحلّق النجوم السواهر ، وقد خلّفت في مرافىء التربة أكباداً تحترق ، وافئدة أضناها الفراق ، وأعيناً تفيض بغزير الدموع . ثم يأتي الليل وأستكن ، أقتات أحلامي ، أجترها ، حتى يحين موعد عبورها في مساء اليوم الذي يليه . وذات مساء لم تمر بنا كعادتها تلك الطائرة ، ومكثت أحدّق إلى الفضاء لساعات ، ألتمس في صفحة السماء بريقها ، وأرهف السمع إلى موجات هديرها ، فلم أرَ سوى مجموعة من النسور محلّقة في دوائر ، تجوب الفضاء البعيد قبل المغيب بأجنحتها تلك الطوال السمراء التي لا ترف ، وكأنها إنما تسخر من ترقّبي ، وتكيدني بتحليقها الرتيب المنتظم الذي لا يفتر ولا ينتابه كلل . ولأيام ثم شهور تلت ؛ مكثت كل مساء أترقب عبورها حتى يدمس الظلام نواحي الأفق ، وتبزغ في صفحة السماء طوالع النجوم ثم أنكسر خائباً أحتضن سواد الليل ، يحيط بي صمت ثقيل ، وتعبث بدواخلي بواعث الشجن [ ... ] أي مدى ذاك الذي يلامسه خيال الكاتب ... وأي حروف تلك التي تتشكل لوحات تحفل بألوان شروق وغروب ... وأي نفسٍ شفافةٍ تلك التي تهيم في احتفاليات الروح .. شفافةٍ هي إلى حدّ التناهي .. ربما هي قصة سطرتها مشاعر الكاتب ، في لحظة غياب حوله ... واستغراق في عالم ذاك الخيال الرائع ... . بين الواقع والخيال يمضي الكاتب في سردياته ... قصصاً تموج بأفكار ... خيالات ... وألحان تصدر شجية عن معانٍ عميقة عمق النفس الإنسانية ... مستوقفاً القارىء عند ومضات شكّلت عقوداً من الياسمين على صدر تلك المجموعة القصصية ... وهذه إحداهما جاءت تحت عنوان " متأخر " ... " ستون عاماً ، وهي نتمنى أن يفهمها كما تريد ويسمع كلامها ويطيع ... تحققت لها الأمنية ، وفعل أخيراً ، حدث ذلك ، عندما أخذ يردد من خلفها بضعفٍ ووهنٍ ، وهي تلقنه الشهادتين [ ... ] . إقرأ المزيد