الوسيطة والاعتدال في الفكر الإسلامي
(0)    
المرتبة: 464,117
تاريخ النشر: 04/10/2018
الناشر: دار القارئ
نبذة نيل وفرات:جعل الله تعالى الأمة الإسلامية أمة وسطاً لكي يكون المسلمون شهداء على الناس كما في قوله تعالى : [ وكذلك جعلناكم أمةً وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً ] [ البقرة / 143 ] . وهذه الآيات الشريفة تعتبر من أقوى الأدلة على أن الوسطية والإعتدال ...هي الأصل والقاعدة في الإسلام ؛ بل هي الأساس والمحور ، وهي الجوهر والمخبر ، وذلك لأن ( الأمة الوسط ) لا تكون متطرفة ولا تكون قاسية ، ولا تصادر حقوق الآخرين أبداً ؛ بل يكون شعارها ودثارها ودستورها الخالد قوله تعالى : [ لا تظلمون ولا تُظلمون ] [ البقرة / 279 ] و ( الذين رحمهم ربهم ) لا يكونون قساة ولا جبابرة ولا مستبدين ولا فراعنة إذ ، وكما قال الرسول صلى الله عليه وسلم : " الراحمون يرحمهم الرحمن أرحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء " . وقال تعالى : [ وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم ] [ النور / 22 ] . كما أن الذين يؤمنون بالقرآن الكريم ويعلمون أن الله خلقنا شعوباً وقبائل لنتعارف ، يذعنون بقوله تعالى : [ لكم دينكم ولي دين ] [ الكافرون / 6 ] كإطار دستوري يرسم أسس العلاقة مع الآخر وبكلمة ؛ فإن الإعتدال من منظور قرآني وإسلامي يعني أن الأمة الوسط ، كما قال أمير المؤمنين رضي الله عنه : " فإنهم صنفان إما أخٌ لك في الدين وإما نظير لك في الخلق " . ووقفة متأنية للسيد الشيرازي عند قوله تعالى : [ وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً ] فلقد اختلف المفسرون ي معنى الآية الشريفة عى اقوال من أهمها : أ- الأمة المتوسطة في الإعتدال : القول الأول : إن الأمة الوسط هي الأمة المتوسطة في الإعتدال بين الإفراط والتفريط ، وبين الغلو والتقصير ، وبين حاجات الروح ومتطلبات الجسد . وهي الأمة التي تعيش التوازن بين لهيب العاطفة المتأجج وبين جرود العقل المستفز . وهي الأمة التي تتميز بالتوازن بين مثلث العلم والفكر والإنتاج والبناء والأخلاق والمناقبيات . وهي الأمة التي تعيش التوازن والوسطية والإعتدال بين متطلبات الفرد وحاجات المجتمع ، فلا الفرد هو الأصل ولا الجمع ؛ بل الأصل هو المجموع ؛ فكل منهما أصل أصيل إذ هما كجناحي الطائر وبالمجموع تكون إنسانية الإنسان ويتكامل المجتمع الإنساني من الأمة المتوسطة بين الرسول صلى الله عليه وسلم والبشرية : القول الثاني : إن الأمة الوسط هي الأمة المتوسطة بين رسول الإنسانية الخالد محمد صلى الله عليه وسلم وبين الناس على امتداد التاريخ إلى يوم الحشر الأكبر . وكون المسلمين وسطاء بين الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم وبين الناس يعني أن عليهم أن يكونوا المرآة الصافية التي تعكس على سلوكهم اليومي وفي حياتهم الشخصية والإجتماعية والسياسية ؛ الأخلاق النبوية ومعالم الإنسانية وملامح الإعتدال والوسطية كما تجسدت بأبهى وأروح صورها في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم وفي أقواله وأفعاله وحركاته وسكناته . ولقد كان من أهم صفات الرسول صلى الله عليه وسلم ما وصفه به الله تعالى في قوله [ فيها رحمة من الله لنتَ لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك ] [ آل عمران / 159 ] . فقد كان من رحمة الله الكبرى أن جعل نبيّه ليّناً مع الناس ، واللين يُراد به الأعم من اللين التكويني واللين التشريعي كما يُراد به الأعم من اللين في الحياة الشخصية والإجتماعية وعلى مستوى الحكومة أيضاً . كما كان من مهامه الأساسية أنه كان ، كما في قوله تعالى : [ يضع عنهم أحدهم والأغلال التي كانت عليهم . والأمة الوسط هي نخبة الأمم : القول الثالث ؛ إن الأمة الوسط هي نخبة النخبة ، فإنها هي التي تصلح لأن تكون الشهيد على الناس . وقد روي عن الإمام الصادق أنه قال: قال الله تعالى : [ وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً ] . فإن ظننت أن الله عنى بهذه الآية جميع أهل القبلة من الموحدين ، أفترى أن من لا تجوز شهادته في الدنيا على صاعٍ من تمرٍ ، يطلب الله شهادته يوم القيامة ويقبلها منه بحضرة جميع الأمم الماضية ؟ كلا لم يعنِ الله مثل هذا من خلقه ، يعني الأمة التي وجبت لها دعوة إبراهيم عليه السلام : [ كنتم خير أمة أخرجت للناس ] وهم الأمة الوسطى ، وهم خير أمة أخرجت للناس " [ ... ] . ضمن هذه المقاربات يرضي هذا البحث الذي هو عبارة عن الكلمة التي أرسلها السيد مرتضى الحسيني الشيرازي إلى ( المؤتمر العلمي الوطني حول الإعتدال في الدين والسياسة ) المنعقد في جامعة كربلاء المقدسة بتاريخ 2/3/2017 م ، وقد تناول السيد مرتضى الشيرازي مسائل تتعلق بالوسطية والإعتدال في الفكر الإسلامي ومتعلقاتها ، فجاء الحديث حول الهدف من الحلقة ( الرمحة ) والتعارف والتعاون ، ودلالات الأيام التي تتعلق بمواصفات الأمة الإسلامية المتوسطة في الإعتدال ، مسلطاً الضوء على آية اللين ومعانيها ليفضي به ذلك للبحث في شروط الوالي ثم البحث في فقه المقاصد ( إختيار القائد اللين المعتدل بطبعه ... إلى ما هنالك من أمور ومسائل تدخل في إطار التأكيد على الوسطية والإعتدال في الفكر الإسلامي في الحياة الإجتماعية كما في الأمور السياسية والدينية على السواء . إقرأ المزيد