أنثروبولوجيا التواصل ؛ من النظرية إلى ميدان البحث
(0)    
المرتبة: 24,255
تاريخ النشر: 16/08/2018
الناشر: هيئة البحرين للثقافة والآثار
نبذة نيل وفرات:يعتبر التواصل عملاً فردياً ، وعليه فإن الآلية التي تؤسسه هي التي تحوّل الأفكار الداخلية إلى كلام خارجي . وإذا استلهمنا معجم هندسي الإتصالات ، فإن الباحثين الذين يعملون في هذا الإتجاه يتحدثون في الغالب عن التشفير وفك التشفير ( حين تصبر الكلمات في الطرف الآخر من السلسلة أفكاراً ...) ، إذ يبدأ التواصل من داخل فردٍ وينتهي داخل فرد آخر . وكل فرد وحدة مكوّنة من حسد وعقل ، الأول يحتوي الثاني ، من هنا يمكن القول بأن كل فرد هو بمثابة علبة غامضة مغلقة ومعزولة بمساحة ما عن كل فرد آخر ، ولكن كل فرد آخر ، ولكن كل فرد يمكنه أن يختار الكشف عن بنات فكره للآخر ، وبالتالي فهو يستعمل اللغة ليقطع المسافة التي تفصله عن الآخر . إن اللغة وسيلة التواصل ، التي هي ذاتها وسيلة نقل الأفكار . وعليه فالتواصل نشاط لغوي أو شفهي أو كتابي . سبحات وسلاسل من كلمات تنتقل من عقل لآخر عبر الفم والأذن أو عبر اليد والعينين . تشبه الكلمات كبسولات وعلباً صغيرة حين تنفتح لإعطاء المعلومة . قد يحصل للمتلقي حين يجمع تلك الجمل والكلمات على مادة طبق الأصل لفكر المرسل . ومن الممكن أن يحصل تشويش في عملية النقل للمعلومة بسبب إقحام بعض الحركات الجسدية ( حركة لا إرادية ، غرائز ، مشاعر جياشة ) تعكر السير العادي لمسار النقل هذا . وحيث أن التواصل لغوي ، فإنه يكون عقلانياً وإرادياً ، ومن هنا فإنه هو من خصائص الإنسان ، ولا يمكن الحديث عن التواصل عند الحيوان أو عن تواصل " غير لغوي " إلا مجازاً ، وخلاف ذلك في حالات الحركات المشفّرة التي اتفق عليها صراحة ، كما هو شأن لغة الصم البكم . يمكن إعطاء معلومة عن غير قصد أو بلا وعي : لا يتعلق الأمر إذاً بعملية تواصل . وفي هذا الصدد ولا بد من وجود شخصين على الأقل لتتم عملية تواصل ، ويكون الشخص المرسل هو الذي يؤسس هذه العملية إلا الشخص المتلقي وإلى ذلك ، فإذا كان التواصل عملية إرادية وجماعية ، إذ ذاك يمكن تقديمه جمالياً وأخلاقياً . كما يمكن أن ينجح أو يفشل ، ويمكن أن يكون جيداً أو سيئاً ، عادياً أو مَرضياً ، ناجعاً أو مُشوّشاً . يمكن كذلك أن يدرّس أو يصحّح ذاته ، وأن يعيّن لنفسه وصفة طبية ( يمكن الطبيب أن ينصح الزوجين بأن " يتواصلا بشكل أحسن " أو " أن يتواصلا أكثر " ) : لذا يمكن القول بأن التواصل يمثل سلسلة من مقاطع " مرسل -- متلقٍّ " يتبادلا الأدوار خطية ومتتالية : يولّد تلقي رسالة بَعْث رسالة ثانية ( وهكذا دواليك تفتح باب رسالة تتلوها ) على أساس المخطط التقليدي " مثير -- إستجابة " ( فعل -- ردّ فعل ) . وتحديداً ، كما هو الحال في المختبر ، يمكن الباحث أن يعاين أو ينتج مقاطع تواصلية بكل إستقلالية ، وعلى غرار ما يقوم به عالم الفيزياء أو الكيمياء ، يقدم الباحث في التواصل فرضيات على شكل ألعاب بين " متغيرات " ، يتموقع خارج النظام المدروس أو يبحث عن " تحييد " التأثيرات المحتملة لمعاينته النظام بعدة وسائل تقنية إحصائية . وهكذا يمكن إدراك نموذج التواصل الفردي بسهولة بواسطة صورة التلغراف . يقرر الشخص ( أ ) أن يوصل رسالة إلى الشخص ( ب ) . تشفّر الرسالة وترسل عبر موجات ، وتُتَلقى وتُفَكْ شيفرتها ، إما تُفهم أو لا تُفهم. ويمكن الشخص ( ب ) بدوره أن يبعث رسالة إلى الشخص ( أ ) .. وهكذا .. إذاً عملية الإبراق هي عملية لغوية ، قصدية وخطية ومحدودة في الزمان والمكان ، وعليه فالبرقية تكون عادة صريحة ودالة وإخبارية [ ... ] ضمن هذه المقاربات يأتي مضمون البحث في هذا الكتاب الذي يعتبر بمثابة بيان عقلاني لمصلحة طريق البحث في هذا الكتاب الذي يعتبر بمثابة بيان عقلاني لمصلحة طريق البحث في علوم التواصل . وقد جاء البحث ضمن خمسة ابواب : الأول منها دار حول تصوران للتواصل : التواصل " التلغرافي " ، " التصور " الأركستري " . بينما تم الحديث في الباب الثاني عن نشأة أنثروبولوجيا التواصل : تواصل الأحجار والبرق " ديل هايمز " ، التواصل المكبوت : " إيرنينغ غوفمان " ، وليتناول من ثَم موضوع أنثروبولوجيا التوصل : الأصول والمبادىء والمشروع . وحول المنهجية الاثنوغرافية دار البحث في الباب الثالث وقد شمل الحديث : الممارسة الميدانية ، الملاحظة التشاركية ، والتحكم البصري في العادي . أما الباب الرابع فقد جاء بمثابة دراسة ميدانية من مثل الحديث أثناء الأكل ، السائح وصنوه ( السلوك الناجي ) ، الفئران ، والرجال الصغار ، العمل الأثنوغرافي والموضة . وألآخيراً تم تخصيص الباب الخامس لدراسة هدير المجتمع في إطار التواصل باعتباره ( هبة / هبة مضاءة " ، والتواصل باعتباره إنجازاً ، وتسليط الضوء على أنثروبولوجيا التواصل كإطار تحليلي . إقرأ المزيد