تاريخ النشر: 01/01/2017
الناشر: خاص - كلود جعجع عبد المسيح
نبذة نيل وفرات:"بعد تلك العاصفة من الدمع والحنين، شعر كلاهما بالراحة، كأنهما كانا يدوران داخل عجلة من نار، وفجأة توقفت العجلة وحلّ الهدوء والسلام، سجن مخول على الأرض أمام ليلى، وأشبع يديها لثماً وتقبيلاً بعد أن جاشت عواطفه واستيقظت ذكرياته، فشعر بسياط ساخنة من الدماء تلهب قلبه وتُشعل حواسه التي اعتقدها ...لوصلة ميتة وعديمة الإحساس، تابع بألم: "يقولون: القلب الذي يتعرض للطعن يعود للحب أقوى من ذي قبل؛ بل أكثر رغبة وإصراراً وأشدّ وفاء لحبيبة".
كأنك تشابك الأيدي ينقل الأحاسيس من جسم إلى آخر، شعرت ليلى بمشاعر مماثلة، أمسكت برأسه بين يديها ونظرت في عينيه طويلاً، ثم لاحت على وجهها إبتسامة رقيقة كانت بمثابة شمس أشرقت ساطعة على قلب مخول الذي غرق مديداً في الظلمة والحزن، شعر الإثنان بغبطة لم تزر قلبيهما منذ زمن طويل وأزهزت إبتسامتها من بدا لها أنها فرشت الدنيا بوشاح يضاهي زهور الربيع إشراقاً، ويحاكي ثلج صنين نقاء وعذوبة.
لاحت منها إلتفاتة إلى غرفتها، فرأت الحقائب تنظر بلوم وعتب، كأنها تتعرض للخيانة والغدر والإهمال، قالت من خلال الدموع: "لا، لن أستطيع التراجع هذه المرة، شقيقي ينتظرني لأكون عرّابة حفيده الأول"، ثم أشرقت عيناها بنظرة مفرحة مضيفة: "تعال معي لزيارة وائل في أميركا، ما رأيك؟ سيفرح بقدومك كثيراً، لدى سماعه هذا الإقتراح شعر بأن باباً من نور قد فُتح فجأة في آخر النفق الأسود الذي كان يحاصره، خاصة بعد كرهه لبيته ولذكريات زواجه الفاشل وموت ابنته، عندما لاحظت ليلى تراقص الأمل في عينيه ركضت نحو الهاتف بفرح لا يوصف، وطلبت وائل لتزفه الخبر السار، ورجته أن يقوم بأقصى ما يستطيع ليتمكن مخول من مرافقتها أو اللحاق بها لاحقاً على الأقل، وكم كانت فرحة وائل عظيمة بهذا الخبر...
قبل مغادرته منزلها جذبت ليلى مخول من يده نحو غرفة جانبية وأخرجت وسادة والدها من مخبئها السري وسألته بفرح عارم: "هل تذكر هذه الوسادة؟" ضحك مخول من الأعماق مجيباً: "أذكرها جيداً، كما أذكر تفاصيل ذلك اليوم بحذافيرها وكم فرح والدك بالحصول عليها... أتذكرين؟... "أردفت ضاحكة: "بلى أذكر كل هذا، وأنا أيضاً فرحت بالحصول عليها مؤخراً، أتعرف ماذا بداخل هذه الوسادة المهترئة؟" هل تحزر؟... فكر قليلاً: "كلا لم أحزر، ماذا بداخلها؟ "فتحت ليلى الغطاء ورأى مخول مدّخرات شبل وفاقدة نجله... "قالت ليلى: "أريتك هذا الملا لأنني لا أعرف ماذا أفعل به، لا يمكنني أخذه معي ولا أستطيع إيداعه المصرف من دون حجة قانونية، فما رأيك؟ هل تملك حلاً بهذا الأمر؟ "فكر مخول قليلاً وأردف" ليس أمامك سوى بيع عقار ما ولو بيعاً وهمياً بينك وبين الشاري للحصول على وصل منه بالمبلع عندئذ وتصبح أموالك قانونية فتودعينها المصرف بكل سهولة ردّت بقلق: "لكن من هو الشخص الموثوق به لأبيعه بيتي مثلاً دون خشبة الإستيلاء عليه؟"... سكتت هنيهة، وأكملت بحماية مفرطة: "وجدتها، أنت ستشتري بيتي مقابل هذا المبلغ...
في اليوم التالي، أبرم العقد الوهمي بينهما، ومكث مخول في بيت ليلى... وبعد أسابيع كاد يطير فرحاً وغبطة ويشعر بأنه يحلق عالياً أكثر من الطائرة المتجهة نحو ولايات العم سام المتحدة حيث تنتظره المرأة التي حفظت حبه في قلبها بأمانة مدهشة ونادرة منذ طفولتها، بل طوال عمرها...".
إلى أيامنا هذه، ما زال بيت مخول على جماله وأناقته تحيط به حديقته الفناء التي تهتم بها سيدة أنيقة مخضرمة، أميركية لبنانية، واسعة الثقافة، بارعة الجمال... وكل من يرى صورة "الريّس مخول" العلاقة المعلقة في صحن الدار بجانب ليلى في ثياب العرس يلحظ الشبه الشديد بين الأب وابنته المتأمركة التي عملت بحسب وصيته الأخيرة، إذ جعلت من القبو المظلم مزاراً مقدساً تنيره الشموع، وتزينه الورود، ويعطره البخور في كل آن.
في الوقت عينه حين أسلمت فيه شقيقتها روحها النقية لخالقها، وف كل ضيق تزورها بناتها الأميركيات الثلاث، مع أحفادها العشرة، فيملأون البيت جمالاً صخباً وسروراً، ولا ينفكون يدعون بطول العمر لجدتهم الليدي عفاف التي لا تتعب في سرد قصبة والدها لمن يريد أن يستمع، وقد فضلت بلدته الحبيبة على بلدان الدنيا بأسرها، بينما لا تنفك تردد شعارها الدائم: "كل هذا لذكرى أبي الذي أوصاني بألا أدع جذوره تحترق... إقرأ المزيد