تاريخ النشر: 17/08/2017
الناشر: دار نلسن
نبذة نيل وفرات:ماذا كان القرن العشرون؟ صدمة لما فهمته الشعوب، طوال أعصر بكلمة "إنسانية"، مروًّ ذلك الشعور إلى المجزرة الهائلة التي كانتها الحرب العالمية الثانية، الشعور بإنتماء الناس، جميع الناس إلى أسرة بشرية واحدة أعضاؤها متساوون، متعاضدون متكافلون، يسعون إلى تحسين المجتمعات الإنسانية بمزيد من العدالة وشيء من الحرية والسعادة ما ...أمكن...
هذا الشعور أصيب بصدمتين متواليتين جعلتاه يتلاشى، مفسحاً المجال أمام الفلسفة للهنديات، وما كادت الشعوب تستأنف، وسط الشك والإرتياب، العمل على ترميمه مجدّداً حتى استيقظت الأصوليّات خلفاً للقوميات، وتحركت العصبيّات الدينية مكان العقائدية السياسية في ذلك الحزام البائس المطلّ على الأوقيانسوس الهندي ومختلف مجموع دول الــ "آن".
إن البربرية المتمثلة في نزعة السيطرة، وإخضاع الآخر وإزالته، أثبتت ثبوتها في العنصر البشري، وهذا يدين الإنسان كإنسان، نلاحظ وجود هذه النزعة في العناصر الكيميائية والنووية التي تكون المادة، والتي لولاها لما كان نزوعٌ من البسيط إلى المركب...
بدأ هذا العصر بحربين عالميتين استغرقتا نصفه الأولى، وأشعلت نيراهما البروتستانتية المتهدّدة ضد الشعوب الكاثوليكية وربحتهما، في الأول ظفر الإسرائيليون بوعد لإعادة بناء الهيكل الذي قوّضه وبدّد حجارته بنوخذ نصّر (587 ق. م.) وفي الثانية حققوا الوعد وأعادوا تكوين البركان التاريخي ذاته، في أوشليم ذاتها، مشعلين نار الحروب الألفية ذاتها منذ فرعون حتى هتلر.
في النصف الأول من هذا القرن، تناحرت شعوب أوروبة حتى انتحرت وخرج اليهود من أقرانها وحدهم أحياء!... هكذا انتقل التناحر التاريخي بين الشقيقين، إسحاق وإسماعيل؛ إلى حيث بدأ، ومنه عاد إلى العالم على النحو الذي نشهده اليوم، في مطلع هذه الألف الثالثة، العنصرية الساميّة الشرق - أوسطية تسري كعدوى خبيثة في جزء كبير من جسم الإنسانية عبر شريط يُزنّر أكثر من نصف حصر الأرض، ما حمل مالرو على التكهن بأن القرن الحادي والعشرين سوف يكون قرناً دينياً، أو لا يكون، القرون الدينية معروفة في التاريخ!...
إنها قرون حروب وتذابح على اسم الله، كما حصل في قديم الزمان، وكما هو حاصل اليوم بين الهند والباكستان، وفي أفغانستان، ويوغسلافيا، والسودان، والتيمور وجمهوريات روسيا الإسلامية بأقليتها الإسرائيلية، وكما سبق وحصل في أوروبا محاكم التفتيش، وأسبانيا القرن الثاني عشر، وفرنسا أواخر القرن السادس عشر بين الكاثوليك والبروتستانت وبين روسيا المقدسة والسلطات، والعثمانيين والأرمن، والبروتستانت والإرلنديين، وقبرص اليونانية وقبرص التركية، وأخيراً الشرق الأوسط...
وكما سوف يظل حاصلاً بين البشر جميعاً في حُمَيَّاهم الربانية: القرون تلعب كرة المضرب: الكرة ذاتها تروح وترجع، ولا يختلف إلا موقعها على الأرض، داخل حدود الملعب، ولا يحبو الشؤم هم ذاتهم: وِلْدٌ من والد، وحفيدٌ عن جد!...
هكذا استطاع الكاتب إلقاء نظرة مستقبلية على الزمن الآتي، ونظرة تاريخية على الزمن الماضي، وما بين الماضي والمستقبل فترة عايشها، وكان حاذقاً في تحليلاته وتصوراته للواقع، وربطه لما جرى من أحداث، وما سيتمدّ منها في المستقبل، وهو يقول في مقدمته: يصدر هذا الكتاب متأخراً عن موعده، فقد توقفت أحداثه في نهاية القرن العشرين، ورُفَعتْ مسلّةً على ضريحه...
هكذا ظننت على أن إمتدادات تلك الأحداث الماضية في الحاضر تجعلها مستمرة الحضور، بل إن نتائجها في حياتنا الحاضرة تحمل على الظن أن القرن العشرين لم ينته بعد، وأن الأحداث بالأمس يتمخّض بها اليوم... هو كتاب تأمل... تأمل ليس إلا... فالكاتب ليس بالمؤرخ، ولا الإستطلاعي أو التوقعي... ما هو إلا شاعر شطّت به الدروب نحو النثر... كتاب تأمل إذن في أحداث استوتفته، وأحداث إستثارته، وأخرى أحفظته فكان تعبيره عنها أشبه بتعاويذ تحرّر منها... فلما راجع الكتاب رآه غريباً عنه فأهمله... وبعد خمسة عشر عاماً وقع عليه في مكتبه... وعرضه على صديقه الأديب الناشر سليمان بختي، فرأى نية كتاباً جديراً بالنشر؛ بل جيب نشره... فكان كما ارتأى. إقرأ المزيد