تاريخ النشر: 01/01/1962
الناشر: الندوة اللبنانية
نبذة نيل وفرات:خليل رامز سركيس، كاتب ما تردد قط في التنويه بالمؤثرات التي رفدت خطاه، نراه في "أرضنا الجديد" قد تحرر من تلك المؤثرات، إنه لفرط ما تمثلها قد انعتق منها. إنه اكتنهها، وهو، إذ يؤديها اليوم، فإنما يؤدي ذاته. إنه لا يدين لها بأي وجه كان. وإنما له نهج برأسه، ...فكراً وأداء. وبينا هو يمضي قدماً في هذا السبيل، يغدو أكثر فأكثر هو ذاته. وأكثر فأكثر يغدو نسيج وحده.
وعلى هذا فإن "أرضنا الجديدة" مرحلة في مطاف كاتبها، وقد توغل في البعيد من قراءته ليبلغ ما هو إنساني حق. وليس حتماً على المؤلف أن يتنكر، ها هنا، لكل حوار بينه وبين فكر آخر. وهل الحوار إلا رافد من أخصب روافد النمو والتكثيف؟ ففي "أرضنا الجديدة"، مثلاً، نرى خليل رامز سركيس (وربما عن غير وعي منه) يدخل مع القديس أوغسطينوس في حوار عميق. لكن أوغسطينوس، وهو الذي كرس له الفيلسوف المعاصر "جان غيتون" دراسة نفيسة عنوانها "مسوغات الزمن" -لكن أوغسطينوس لا ريب حاضر مباشرة، أو بالوراثة الروحية، في كتاب خليل رامز سركيس. وهذا مما ينبئ عن العمق في الصفحات التي بين أيدينا، ويدل على أنه كلما كان الكاتب شخصياً متفرداً، حاور بل ناقش ألي الشخصية والتفرد من المؤلفين، على اختلاف عصورهم، وهم الذين ينتمون إلى مكتنزات الإنسانية، لأنهم ذاتيون متفردون.
ولئن كانت "أرضنا الجديدة" مسوغاً للزمن، فلأنها تتصدى لبعض المشكلات التي تهم جيلنا أكثر من غيرها، كمشكلة العمل، ومشكلة العلائق بين وجدان وآخر، والمشكلات التي تدور على ما في عالمنا من تطور. فإذا كان العمل يملأ كل هذا المدى من حياتنا، فقد وجب أن يكون له مغزاه، وإلا فحياتنا كلها باطلة. وإذا كانت المادة تهب علينا من مختلف منافذ الكيان، فلأنه ينبغي أن يكون لها مغزى إنساني، وإلا فقد العالم معنى قيمه، فعاد لا معنى له. وبكلام آخر: هذا الزمن الذي نحياه، والذي هو نسج العمل والمادة، أهو نير غريب ننوء به إلى أن يحين الحين فيقيض لنا الخلاص منه؟ أهو شبه سجن، علينا أن نتفلت منه لنستأنف حياتنا الإنسانية خوف ألا يبقى ثمة ما يستحق الحياة؟
المسألة التي تطرحها هواجس القلق علي خليل رامز سركيس هي، كما يلاحظ، مسألة جوهرية. وليست بالمشكلة الصغرى يقتحمها مختاراً. وهل اختارها فعلاً؟ بل هل يتسنى لنا أن نختار مشكلاتنا؟ أعتقد بالأحرى أن مشكلاتنا هي التي تختارنا. فإذا لم تعوزنا الشجاعة ولم نتشاغل عن المشكلة، رحنا نناقشها برعدة واضطراب، ونحن لا ندري أتميد الأرض بنا أم لا تميد.
بهذا الهاجس: أن يكون صادقاً، يشرع خليل رامز سركيس، ولا ريب، سبيلاً جديداً لفي الأدب العربي. فلا يجهد الفكر عبر عقائد جاهزة، ومفاهيم مستوردة، بل يرتضي التفكير من خلال ذاته، يجابه المسائل التي تحدوه حياته على طرحها. وإنه ليحيا في صميم القرن العشرين، فلهذا نرى مشكلاته تنبع من قضايا العصر. إقرأ المزيد