نسائم عشقية ؛ من غزليات جلال الدين الرومي
(0)    
المرتبة: 10,681
تاريخ النشر: 20/10/2016
الناشر: دار روافد للطباعة والنشر والتوزيع
نبذة نيل وفرات:تعتبر أغزال جلال الدين الرومي من الطراز الرفيع، وتقدم هذه الأغزال فلسفة أزلية لفكرة العشق الإلهي، فلسفة لا يجدها المرء إلا عند قلوب شاعرة سما بها احتراقها إلى آفاق عالمٍ لا أبهى ولا أعذب، فلم تنطق عن هوى، ولم تبح إلا بإلهامات من قيّوم السماوات والأرض.
وتمتاز أغزال جلال ...الدين الرومي بظاهرة عجيبة للغاية؛ وهي أن كل غزل منها له طعم خاص لدى متلقيه، واستجابة متميزة لا يضارعه فيها أيّ غزل آخر، رغم أن عدد هذه الأغزال تجاوز الثلاثة آلاف. وقد يكون المرء قادراً على القول أنّ هذا أثر من آثار اتصال بعض النفوس الصافية بالحق سبحانه، فيكون في كلامها شيء من صبغة الفِطرة التي خُلق عليها الإنسان. وهذا يعني أن قارئ كلام هؤلاء النفر إنما هو قارئ لما في فطرته، متعرّف لما في نفسه. قال شهاب الدين السهروردي: "عندما تبلغ المحبّة الغاية تسمى العِشق، والعشق أخفى من المحبة، لأن كل عشق محبة، وليس كل محبة عشقاً، فالدرجة الاولى هي المعروفة، والدرجة الثانية هي المحبّة، والدرجة الثالثة هي العشق؛ ولا يمكن الوصول إلى عالم العشق الذي هو فوق الجميع إلّا بعد اجتياز درجتي المعرفة والمحبة". وإن للعشق تأثيراً فعّالاً وخلّاقاً في مجالات حياة البشر كلها؛ في عالم المعرفة وفي الطب وفي عالم الموسيقى.
وعند عين القضاة، شهيد طريق العشق، أن العشق صفة للروح، وأن العشق والروح خلقا في لحظة واحدة. وإذا كان العشق خاصيّة للروح فمرجع ذلك أنه في الأصل صفة للذات، أو صفة للحق؛ ومن هذه الوجهة تقول جمهرة مشايخ التصوف والعرفان: "ظننت أنني أنا الذي كنتُ أحبّه، وعندما تأملت أدركت أن محبته إياي كانت سابقة".
وقد قال عين القضاة في كتاب اللوائح: "إن كان لأحد طريق إليه، فذلك بتجسّس العِشق؛ المعشوق ملكً، والروح مركبٌ، والعشق صاحب الركاب". وكلما ازداد الإنسان عشقاً للحقيقة وعرف خالق الكائنات على نحو أفضل وأكثر عشقاً ازدادت محبة الله تعالى إيّاه، لأن المحبة ثمرة المعرفة، وكل من لا يحبه الله لا يحبه لأنه ما عرفه تعالى". ولأن جلال الدين الرومي عاشق، ولأنه بفضل إرشادات شمس الدين التبريزي متحرر من شرك الحوادث، ويسير في داخل عروق ظواهر الوجود، وكان يسبح في أنوار السيارات والمجرّات، كانت الغزليات والأناشيد التي أثبتها في "الديوان الكبير" علامة على الضجر والقلق والانفعال والوَلهـ ومفعمة بالجذب والإلهام، ولها قدرة خلاقة شبيهة بالمعجزة على إثارة العواطف العشقية. وإذا كانت أجزاء المثنوي الستة والديوان الكبير، وبعد انقضاء القرون والأعصار، وحتى هذا الوقت، محلّ اهتمام أصحاب القلوب والعشاقـ وتمنح قلب القارئ والسامع لذّة رُؤيويّة وملكوتيّة، فإن مردّ ذلك إلى أن جلال الدين مروّج لفكر شمس تبريز المتعالية ، المحبة للناس؛ ولعله من شعراء الصوفية المعدومين الذين عبّروا عن ثورات العشق بأحلى صور الكلام؛ ومن وجهة أخرى صوّر شِعره سيماء "مقالات شمس" على نحو غاية في البراعة والروعة.
وتمثل هذا في أن جلال الدين يوصي الوالهين في طريق العشق بقوّة: إن شئتم أن يكون لكم نصيب من مواهب الحياة وجمال الكائنات، وتستحق أسماؤكم أن تُثبت في دفتر الأيام مخلدة باقية على الدوام على نحو رائع، فتعلموا أسرار العشق.. وأنشر في المثنوي: اجعل نفسك نقيّة من صفات الإحساس بالذات حتى ترى ذاتك الطاهرة الصافية. فالظفر بعالم العشق المثير غير ممكن عن طريق الفضل والعلم والقيل والقال في المدرسة... ويقول العارفون والصوفية: العشق قبلٌ للمجيئ بنفسه غير قابل للتعلم.
وعليه يمكن القول، مثلما بيّن ابن سينا في كتابه "رسالة في العشق"، إن العشق شبيه بقوة كونية ذات تأثير شامل في الطبيعة، العشق شبيه بنهضة وبحركة نحو الجمال والحسن الاذي عّدَّ مطابقاً للخير والحق، ومَظهراً للكمال والمثل الأعلى، أو قل: العِشق شبيه بميل ذاتي نحو الخلود [...].
وأخيراً يمكن القول بأن جلال الدين الرومي سكب عشقه في أجزاء المثنوي الستة وفي الديوان الكبير. ولا ينبغي للقارئ وعندما يلج عالم جلال الدين الرومي، من خلال تنسمه نسائمه العشقية.. منظومات غزلياته هذه... عليه ألّا ينسى أن الرومي في سيره وسلوكه في العرفان العشقي كان يرى نفسه متوحداً مع ترجمان الأسرار "شمس التبريزي"، حتى أنه سمى الكثير من غزلياته العشقية باسم شمس؛ لأن كثيراً من أمور الإلهام التي كان يسمعها منه... من شمس قطبه الروحاني أثبتها في أشعاره باسم رسالته؛ ابتغاء أن يستمر عشقه في الكائنات من صورةٍ عشقٍ عاصف ومحرق في التاريخ العرفاني للعالم؛ وإنه من حسن الحظ أن يبقى بعد انقضاء قرون وأعصار. كان جلال الدين الرومي يرى أن العشق هو أول مخلوق، وقد صرَخَ: إن العشق نارٌ مقدسة تحرق كل ما خلا الله [جلّ وعلا] وتجعله رماداً.نبذة الناشر:العشق هو الكلمة المستعملة بدل الحب في الأدب الفارسي، وهو عند هؤلاء العظام وغيرهم من عظماء أدب (العرفان) وراء كل حركة تكاملية في حياة الأفراد والجماعات، ووراء كل من يكسر صنم ذاته ويذوب في هدف سامٍ جميل. إقرأ المزيد