تاريخ النشر: 01/01/2013
الناشر: دار المشرق
نبذة نيل وفرات:إن كان التاريخ بحثاً في الأحداث التاريخية في كيفية حدوثها وأسبابها ونتائجها؛ فإن فلسفة التاريخ هي توضيح معنى الأحداث التاريخية، لأنها تجيب على هذه الأسئلة؛ لماذا (ولا كيف)، أي ما معنى التاريخ؟ وما هو اتجاه هذه الأحداث؟ فمن أين تأتي وإلى أين تؤدي؟ أما "لاهوت التاريخ"؛ فشأنه شأن "فلسفة ...التاريخ" على هذا النحو: "فلسفة التاريخ تُعنى بالنظريات الرفيعة المستوى الخاصة بالأسباب العُلويّة والتيارات التحتية، أو قوى التاريخ الأساسية بإعتباره حقيقة موضوعية (هي الماضي)".... تعليل الأحداث، أو مفهوم التقدم وما إلى ذلك" وأخيراً هناك "المنهج التاريخي، أي العملية العقلية التي يسلك المؤرخ شبابها".
وعليه؛ فإن هناك عناصر مشتركة بين تلك المفاهيم وبين لاهوت التاريخ؛ من جهة كونها مفاهيم "رفيعة المستوى" وخاصّة "بالأسباب العلويّة" وبـ "قوى التاريخ الأساسية"، مرتبطة بالذات الإلهية، من خلق وعهد خلاصيّ، ومن نهاية للأزمنة... وجميعها تشكل حقائق علويّة وقوى تحرك التاريخ البشري، وتعلل أحداثه، وتسيّر تقدمه بإشتراك الإنسان فيها.
كما أن لاهوت التاريخ يمثل منهجاً علميّاً خاصاً ستتضح مسيرته في ثنايا هذه الدراسة التي هي حول "لاهوت التاريخ البشري"، والتي سيتم التركيز فيها على اتجاه التاريخ من جهة، وعلى معناه من جهة أخرى، وتساؤلات تثار: ما هو اتجاه التاريخ البشري، أي تسلسله الزمني من الماضي إلى المستقبل مروراً بالحاضر، وهذا المعروف كمصطلح فلسفي بـ "الدياكرونيا Diachronia" وما هو معناه في نظرة إجمالية، وهذا ما يعرف كمصطلح "بالسونكرونيا sunchoronia"؟ فهما وجهان عملة واحدة، ومقاربتان متكاملتان لحقيقة لاهوت التاريخ البشري الواحدة.
ولولا "التسلسل الزمني" لموقع لاهوت التاريخ في فخّ النظريات والمثاليات، لأنه لا ينطلق من الواقع التاريخي، ولولا البحث عن "المعنى" - وهو من أهم قضايا الفلسفة واللاهوت المعاصرة - لوقع لاهوت التاريخ في فخّ انغلاق التاريخ على نفسه.
ولذلك، فإن تلك المقارنتين تكمّلان كلّ منهما الأخرى وتنيرها وذلك وصولاً لإستجلاء مفهوم "لاهوت التاريخ البشري".
وإلى هذا، فإن هذه الدراسة تعتمد أساساً على ثلاثة تيارات مسيحية: "الشرقي" المتمثل بالفكر الروسي في القرنين التاسع عشر والعشرين (19 - 20) والمعتمد أساساً على الآباء الشرقيين، ثم التيار "الغربي الكاثوليكي" المتمثل بالفكر اللاتيني المعاصر والمعتمد أساساً على أوغسطينس، ثم التيار "الغربي الإصلاحي" المعتمد أساساً على لوثر.
ويشير المؤلف ليس الغرض من ذلك هو عقد مقارنة أكاديمية بين تلك التيارات الثلاثة؛ بل حسب إبراز ملامح كلّ تيار في سياق الموضوع المطروح في هذا البحث، فكلّ تقليد يأتي بما يميزه ويستأثر به، فيلقى ضوءه الخاص على إشكالية. إقرأ المزيد