تاريخ النشر: 04/04/2016
الناشر: دار الفارابي
نبذة نيل وفرات:"من أنا؟ من أكون؟ أَأنا القوة التي تقف بها الجبال؟ أَأنا الريح التي تهتز من أجلها السفن؟ من أكون؟ أَأنا البراءة في أعين الصغار؟ أَأنا النجم الذي يبرق في فضاء هذا الكون؟ من أكون؟ ومن أين جئت؟ وفي أي العالمين خلقت؟ أي الذكريات لي؟ وأيها سرقت؟ ممن سُرقتْ إن ...لم تكن من مذكرات عقلي؟ أتخيلتها؟ ربما فقدت عقلي... ربما جُنِنت.. من أنا؟ ومن هم؟؟ من يستطيع الإجابة عن أسئلتي؟ من يستطيع الشعور بما تمرّ به مخيلتي... وعقلي... وواقعي...! من أنا؟ّ زوجة من أنا؟؟ أيّ المنازل منزلي؟؟ أيّهم مملكتي؟؟ حتى أنت لا تستطيع إجابتي...
فتحتُ عينيّ في هدوء، أسمع نغمات أنفاسي، الضوء خافت، والهواء بارد، نظرتُ حولي... وتأملتُ ذلك المكان... تلك الغرفة، هذا السرير... أبيض.. كل الأشياء بيضاء... الأرض، السرير، الغطاء، حتى الإنارة..! لِباسه أبيض.. أيعشق اللون الأبيض إلى هذه الدرجة؟
جلستُ، وجدتُ في جواري وشاحاً أبيض ثقيلاً وعريضاً، أخذته ولففته حولي، وجلستُ برهة أمام الحائط.. أنظر إليه وينظر إلي، أسأله ويتكبّر بالردّ عليّ... ماذا أفعل هُنا؟ نمتُ واستيقظت ومازلت هنا؟؟ لماذا أيها الحائط؟! لماذا مازلت أمامي ولم أعد إلى حائطي الأحمر..! ظلّ ينظر إليّ بصمت ولم يجب فتركته.
ثمّ وجدّت مرآة استوقفتني بمحاذاة ذلك الباب الوهمي، نظرتُ إلى نفسي..إلى شكلي.. إلى جسدي.. أبحث عن أيّ تغيير قدّ حلّ بي بعد ما حلّ بعقلي من جنون.. أو ربما بعدما أفاق عقلي من الجنون. كنتُ أرتدي بنطالاً ضيقاً أزرق وقميصاً أبيض، لملمتُ شعري إلى كتفي اليمنى، مازال أسود معرّجاً، مازال طويلاً لامعاً. نظرتُ إلى عيني المتوسطة في كل شيء إلّا في سوادها، وتأملتُ ذلك الفراغ تحت عينيّ، ذلك المكان الذي كان مليئاً بالحزن والظلام، لم يعد فراغاً.. حتى شفتاي الصغيرتان.. سريعاً ما استعادتا لونها وبريقها.. كيف لملامح وجهي أن تستعيد صحتها، ولجسدي أن يستعيد عافيته، بينما عقلي وقلبي مازالا في حداد؟
توجهتُ إلى الخارج فوجدتُ عدنان يجلس على إحدى الأرائك واضعاً نظّارة طبيّة ذات حواف سوداء، وأخيراً رأيتُ لوناً غير اللون الأبيض عليه! انحنى إلى الأمام وكأنّه أوشك على دخول ذلك الكتاب بين يديه، أصابعه تتحرّك بين حروفه، وحاجباه في نقاش حادّ منقضّان أحدهما على الآخر. بدا منغمساً جدّاً فلم يشعر بوجودي. جلستُ على مقربة منه، فالتفت إليّ مسرعاً وأغلق كتابه ووضعه جانباً، فلم أستطع حتى قراءة عنوانه. "كَـ.. (احم)... كيف أصبحـــ...تِ؟" لا أعلمُ لمَ فصل التاء عن بقية الكلمة، لمَ تردّدت حروفه في الخروج؟ فابتسمتُ له ونظرت إلى الأرض. "الحمدلله... أفضل؟ الحمدلله على كل حال. " لم تُعجبه إجابتي، فعيناهً سقطتا سريعاً إلى الأرض، ابتسامته ظهرت واختفت كلمح البصر، ثمّ أصبح ينظر إليّ وإلى الأرض بسرعة غريبة.
"أتريدين... أ أ... هل تريدين شيئاً أو ... أ أ هل، هل ... أحضر لك... أممم..." يرفع كتفيه ويخفضهما، ويحرّك قدميه وركبتيه بسرعة رهيبة، وأصابعه تلعب "البيانو" على فخذيه وفمه يتلوّى وكأنّه هو بدوره يسألني أسئلة أخرى غير واضحة. "لا.. لا أريد شيئاً.. شكراً." صمت قليلاً وحركاته مستمرّة، ثمّ أخذ نفساً عميقاً ونظر إليّ بابتسامة ذات الغمازتين. "جيعانة؟" لم أستطع مقاومة تلك الإبتسامة، فابتسمت له وهززت رأسي موافقة. "نصف ساعة وأعود، أنا أعلم تماماً ماذا تُحبّين!" خرج! فكانت هذه فرصتي لأنظر بين طيّات هذا المنزل وأعلم ما يخفيه..! إن كنتُ لا أذكره، لابد وأنّه فعل شيئاً جعل عقلي ينكره. أخذتُ أبحثُ بين الأوراق، داخل الأدراج، أحاولُ أن أكون سريعة. لم أجد ما ينعش ذاكرتي.. فتوجهتُ إلى حاسبه الآلي، وما إن فتحته.. حتى وجدتُ صورة ليَدَينا معاً، متماسكتين، ملتصقتين تماماً، شعرت بتيّار يعبر جسدي.. ألهذه الدرجة يحبني؟؟ وجدتُ ملفّاً عليه كلمة "خاص" فتحته مسرعة، فوجدتُ بداخله العديد من الصور لنا وبعض الفيديوهات، وجدتُ ملفاً آخر عليه "إلى حبيبتي" فَـفتحتهُ، فإذا به "فيديو" من تصويره يصورني في بحر رمله ذهبي.. دمعت عيناي.. ألهذه الدرجة يحبني؟؟ إذاً لمَ نسيته..؟"
بين إغفاء ذاكرة... وانسحاب من الزمان والمكان... تمضي ندى في سرد حكايتها مع حلمها... ضغوط نفسيّة.. وفقدان ذاكرة.. وهذيان.. وحلم ترى فيه نفسها مع شخص بينما هي مع آخر.. تدور حول نفسها المريضة مستنكرة.. غاضبة.. وبصيص أمل يلوح لها في آخر نفقها المظلم... إقرأ المزيد