الإتصال غير الشفهي في القرآن الكريم
(0)    
المرتبة: 216,485
تاريخ النشر: 03/02/2016
الناشر: دار النهضة العربية للطباعة والنشر والتوزيع
نبذة نيل وفرات:يقول علماء الاتصال أن المرء لا يمكن أن يبقى دون أن يتواصل مع أقرانه: "لا يستطيع الإنسان أن لا يتواصل". فمن أهم سمات الإنسان أنه كائن اجتماعي، والأداة الأساسية التي يستعملها في ذلك هي اللغة، لكن اللغة ليست الأداة الوحيدة، فالطبيعة والعالم الخارجي يعرضان على الإنسان مكاناً ذا أبعاد ...متعددة الأشكال والألوان والأحجام، وهو يقوم بتقسيمه وفقاً لإشارات اللغة التي ترعرع فيها وعليها، أن وفقاً لمنظومات الكلمات والتعابير الجامدة والتراكيب النحوية التي يفرض عليه استعمالها، ولكن أيضاً وفقاً لأنظمة القيم الخاصة ثقافته وللوظائف العملية المرتبطة بحاجاته التواصلية.
وخير مثال على أهمية التواصل بين بني البشر في الحياة النفسية والفكرية للكائن البشري، ما يقوله "روبنسون كروزو"، هذا الشاب الذي ألفى نفسه وحيداً على أرض جزيرة لا يوجد فيها أي مخلوق بشري آخر غيره. وهذا المثال دليل على وجود هذه العلاقة الحذرية بين لغة الإنسان والعالم المحيط به، وعلى ارتباط استعمال اللغة بالقيم الثقافية والعملية الذي يحصل في عمليات التواصل الاجتماعي. جاء إذاً في إحدى روايات "ميشال تورنيه" أن روبنسون كتب في مذكراته وهو وحيد في الجزيرة ما يأتي: "لقد تحدث بصوتٍ عالٍ طويلاً ودون توقف، لم أترك ولو فكرة واحدة خطرت ببالي إلا وعجلت بالنطق بها إلى الأشجار والغيوم، ومع ذلك، يوماً بعد يوم تتداعى تحت ناظريّ جوانب كاملة من هذه القلعة اللغوية التي يتحصن فيها فكرنا بحرية...". يبرز هذا المثال عدّة وقائع، منها أن الطبيعة الأولى للإنسان هي الكلام، فالفرد لا يستطيع العيش دون استعمال اللغة مع من يحيطه من الناس، وأن الفكر يجد صياغته في اللغة.
من ناحية أخرى، هناك أهداف ترتبط الاستعمال اللغوي في ما يسمى بالمرسلة في عملية التواصل، أي أنه يبرز في كل كلام هدف أو مهمة يصطلح بها هذا الكلام، فعلماء اللسانيات يجمعون على ما قدمه "رومان جاكوبسون" حول ما يدعي من بعده باسم "وظائف اللغة"، وهي وظائف ترتبط بكل "مرسلة" يبثها المرسل "المتكلم" إلى المرسل إليه (المخاطب)، وهي تتلخص في ما يلي: الوظيفة التعبيرية أو الانفعالية التي تتمحور حول المرسل (عبارات التعجب). الوظيفة الندائية: التي تتوجه نحو المرسل إليه (عبارات الأمر). وظيفة إقامة الاتصال التي من شأنها التحقق من أن دورة التواصل تعمل بشكل جيد (.. ألو، هل تسمعني؟). وظيفة ما وراء اللغة، التي تتمحور حول نظام الرموز (ماذا تقصد بقولك هذا؟!). وظيفة الشعرية، التي تتمحور حول المرسلة والتي تبين الجهة الملموسة من الإشارات (مثل الجناس في صديقتا ألفريد ألفريد). الوظيفة المرجعية، التي تعمل على توصيل معلومة ما عن السياق، وهي الوظيفة السائدة.
إلا إن الإنسان لا يكتفي باستعمال النظام اللغوي في عمليات التواصل بينه وبين الأفراد المحيطين به، فهناك ما يدعوه مؤلف هذا الكتاب "أسامة كبارة" بالاتصال غير الشفهي، أي تبادل المعلومات والمواقف بين البشر دون استعمال للسان محدد، وهذا بالضبط هو الموضوع المحور الذي حوله تأتي هذه الدراسة، فالمؤلف يبين بوضوح ودقّة وسائل الاتصال غير اللغوية عند البشر، كما يحلل مظاهر بروزها ومعانيها في آيات القرآن الكريم، وهذا يعني أن المؤلف يتناول موضوع الاتصال من جوانب تتعدى مجرد الإعلام لتتضمن التواصل اللساني، والسيميائي، والجسدي، والإيماني، وغير ذلك.
ليس ذلك فحسب، فهو أخذ على عاتقه دراسة وسائل الاتصال في كل عضو من أعضاء الجسد على حده، ومع كل حركة يقوم بها أو توجّه، كل ذلك ضمن تطبيقات ملموسة ستقيها مما يرد من شواهد على ذلك في القرآن، بالإضافة إلى ذلك، يعود المؤلف دائماً إلى التفاسير المعترف بها وإلى مواقف الخلفاء والصحابة حول المواضيع التي يتطرف إليها.
من ناحية أخرى تخضع هذه المدوّنة القرآنية إلى التحليل والدراسة انطلاقاً من مناهج علمية لا تنحصر في علوم الاتصال بل تتعداها لتشمل اللسانيات والسيمياء، الركحيات (علم المكان)، وعلم حركات الجسد، والفقه الإسلامي، والنتروبولوجيا، وعلم الخطاب، وغيرها. وبذلك، تأتي هذه الدراسة لتجمع بين الدقة الموضوعية، والشمولية المنهجية: الدقة في معالجة موضوع واحد هو الاتصال الشفهي، وفي حصر هذه المعالجة في مدوّنة واحدة قي آيات القرآن الكريم، والشمولية في اعتماد عدد كبير من طرائق التحليل العلمي التي تستعمل عادة لدرامة مثل هذا الموضوع. إقرأ المزيد