قرية الأمس في الجنوب 'خربة سلم' نموذجاً ؛ دراسة سوسيولوجية
تاريخ النشر: 01/01/2015
الناشر: دار الفارابي
نبذة نيل وفرات:وفقاً للمتداول من الروايات العربية، إن سكان "خربة سلم" - كالغالبية من العامليين - عرب ينتسبون إلى قبيلة "عاملة" والشائع أن هذه القبيلة هاجرت من اليمن بعد حادثة "سيل العرم" وإنهيار سد مدينة مأرب عاصمة مملكة سبأ وتفرق "أيدي سبأ".
ورُوِيَ أن بني عاملة وصلوا في ترحالهم إلى أطراف بلاد ...الشام قبل الإسلام، وأقاموا في المنطقة التي حملت اسمهم في ما بعد وعرفت بإسم "جبل عامل" من جنوبي لبنان (جبل بني عاملة - جبل عاملة - جبل عامل).
أما الإكتشافات التاريخية واللقى الأثرية فتقطع بأن وجود بني عاملة في الجنوب اللبناني يرقى ما قبل إحتلال الهكسوس العماليق لمصر الفراعنة، أما في اسم القرية فإن أغلب الظن أن "خربة سلم" اكتسبت اسمها من واقع الحالين: حال "الخراب" وحال "سِلِم"، فبعد سقوط دولة الهكسوس في مصر تتابعت غزوات الفراعنة للمدن والقرى الكنعانية من تحوتمس الثالث بعد إنتصاره في مجدّو إلى رعمسيس الثاني، مروراً بـ أمنحوتب الثاني وسيتي الأول، فاستجرت تلك الغزوات كثرة الخرائب في بلاد "جاهي" و"رطنو" (جبل عامل)، ومنها "خربة سلم" على أرجح الإحتمالات.
تقع "خربة سلم" على كتف وادي إلى اليسار على سلسلة من الصخور المرتفعة، الهزيلة، المرأسة، بين وادي حجير ووادي آخر جانبيِّ صغير، على موازاته، وهي مبنية على أعلى نقطة، في الطرف الشمالي من هذه السلسلة ولا تظهر بينها فسحات أو طرق، منظرها مجلبة للسأم لا يرتاح النظر إليه؛ إلى جنوب القرية حيث السلسلة منخفضة قليلاً، فسحة مطمئنة أو دكة طبيعية من الصخر، يقوم في وسطها عمود منفرد...
تلك هي بعض ملامح "خربة سلم" القرية اللبنانية الجنوبية التي يتناولها الباحث من خلال دراسة سوسيولوجية كنموذج لقرية الأمس في الجنوب.
والباحث، إلى هذا، هو ابن هذه القرية، مما أتاح له تقديم دراسة موضوعية واقعية، ويبقى ابن البلد أفضل الدارسين لبلده، حيث عمد إلى وضع الوقائع في دراسته هذه في إطارها العام وفي جوها الطبيعي كم يتم فهمها على حقيقتها.
وفي سبيل ذلك فقد تعرض الباحث الصراحة، فلم يتحاشى مثلاً ذكر الأسباب الحقيقية للخلاف العائلي من القرية، ولا تجنب التعرض لبعض المعتقدات الخاصة، متوخياً الطَبَقية في إستعمال بعض قوالب اللهجة المحلية عند إيراده لبعض الأمثلة، شارحاً ما استدعى الشرح، مستعيناً بالمثل العامي الذي يمثل ثقافة أي بلد، حيث أن المثل لم يدع شيئاً إلاّ قاله، ومن جهة أخرى، لأنه بالمثل بالإمكان القبض على الذهنية الإجتماعية في عفويتها، وحرارتها، وفي صدق تجربتها؛ المثل العاصي، كالمثل إطلاقاً، هو روح الشعب، ومرآته وخلاصة تجاربه.
على أن مجال الدقة في هذه الدراسة تجلى في تحديد الباحث مصطلحات لها معان علمية إجتماعية غير المعاني المعتادة كالقيمة والعائلة والبيت مثلاً، وقد عمد إلى ذلك حيث اقتضت الضرورة، ولقد اعتمد في التحليل الطريقة اللاتينية في الإنطلاق من واقعة أو واقعتين ثم بحثها وتعليلها طويلاً وإستنتاج آثارها (وكممثل الهجرة والأسرة والعائلية والطبقية والقيم الإجتماعية...)، والطريقة الأنكلوساكسونية في سرد عدد كبير من الوقائع والتفاصيل ثم بحثها وتعليلها وإستنتاج آثارها ببضعة أسطر مما قد يوحي بالوصفية (مثال ذلك: الموقع والمسكن والفولكلور والعادات والتقاليد الإجتماعية) تناولاً بالشرح أشياء يظنها البعض معروفة من الجميع في حين أنها ليست كذلك وهدفه على مدار الدراسة هي أن يكتب للقارئ مطلقاً، وليس لابن خربة سلم فقط.
وتجدر الإشارة إلى أن الباحث عمد إلى المقارنة ما وسعه ذلك في الزمان بين الماضي والحاضر وإحتمالات المستقبل، وفي المكان بصورة إفرادية! من جهة بين القرية والمدينة، ومن جهة أخرى بين القربة وبعض القرى الأخرى في الجنوب ولبنان وحتى خارج لبنان فيما يتعلق ببعض الظواهر والقيم، وبصورة كلية: بين القرية والإقليم والوطن.
أما مجال دراسة القرية من الناحية الإجتماعية البحت، فقد حدده في ضوء معطيات علم الإجتماع الحديث من حيث تناول جوانب الحياة الإجتماعية الجادة والخفيفة وشمل العوامل الفاعلة في دينامية المجتمعات، ما قرّ منها في العقل الباطن عبر التاريخ والتجارب وما ظهر في رابعة النهار، ولم يُغْفَل ما هو سبب لها أو نتيجة كالركائز المادية والبشرية والنشاط السياسي والفكري وغير ذلك مما يلزم التطرق إليه في أي دراسة سوسيولوجية. إقرأ المزيد