ثقافة أبي تمام من خلال شعره
(0)    
المرتبة: 238,836
تاريخ النشر: 01/01/2021
الناشر: دار المقتبس
نبذة نيل وفرات:يمثل الشاعر أبو تمام الإتجاه المجدد في الأدب العربي، وقد أكثر النقاد والأدباء من وصف تجديده للشعر وتفصيله، فهو أول من خرج على عمود الشعر العربي، حيث يمثل شعره أنصار مدرسة المعاني الذي كان منهم المتنبي فيما بعد.
لقد انقسم النقاد والأدباء إلى فريقين؛ فريق يشايع أبا تمام ويحاول أن ...يظهر كل تعبير، وكل يبت في شعره بمظهر الجديد المبدع، ويعتبره بادرة تجديد وجمال، محاولاً تسويغ كل ما يمكن أن يعدّ عبثاً من عيوب شعر أبي تمام.
بينما غال فريق آخر في معاداته، ومجافاته لشعر أبي تمام، وحاول التقاط الهفوات والكبوات، ليسجلها ويحصيها عليه إحصاء.
وبين هذا التفريق وذاك يخرج الباحث نتيجة مهمة جداً؛ وهي كون أبي تمام شاعراً من مخول الشعراء حاول ابتداع المعاني فجاء بالكثير منها، وأبدع في القديم حين أخرجه بإطار جديد رائع.
من هذا المنطلق، تأتي هذه الدراسة التي تمثل محاولة لإستقصاء بعض جوانب ثقافة أبي تمام من خلال أشعاره، والتي تدل على سعة أفقه، وثقافته الواسعة التي لم تكتف بالقديم؛ لأنه الأصل والتراث القديم؛ بل جاوزته إلى الحديث لتنهل من كل ضروب الثقافة المتوفرة في عصره.
سلطت الباحثة في دراستها هذه على مصادر ثقافة أبي تمام وهي: القرآن الكريم، التاريخ، الأدب، الأمثال، الأساطير والمعتقدات الشعبية، الفلسفة وعقائد الذاتي، وعمدت إلى دراستها وخرجت بنتيجة رائعة وهي: أصالة شخصية أبي تمام في أشعاره، مشيرة إلى أن أصالة شخصية أبي تمام في أشعاره، تتجلى القارئ للقارئ بمجرد قراءة عدة قصائد من ديوانه، مبينة أن هذه الأصالة لم تأت عبثاً؛ بل كانت نتيجةً لثقافته الواسعة، كاشفة على أن أبا تمام جدد بما استطاع من موهبة شعرية، وذوق حسّي مرهف الأسلوب الشعري، والتعابير المستعملة في اللغة الأدبية، في حين أن تجديد لم يجعله يهمل تراث أمته، بل وجد فيها معيناً لا ينضب؛ مؤكدة على أن التاريخ العربي الجاهلي والإسلامي، وتاريخ الأمم الأخرى من الأمور المهمة التي يجب على الأديب الحق الإطلاع عليها، وتنمية إدراكه ومعلوماته العامة، ليستقي منها ما يشاء من الإشارات والموجبات.
أما بالنسبة لمصادر أبي تمام، تشير الباحثة إلى ما يلي: القرآن الكريم بالنسبة لأبي تمام هو الكتاب الذي منحه قسطاً أكبر من الثقافة اللغوية والأدبية، وضعه أبو تمام نصب عينيه ليستمد منه بعض صوره وأفكاره، وتعابيره حتى قيل: أنه حاول نظم بعض آيات القرآن الكريم.
أما الشعراء، فإن أبا تمام، وإن دعا إلى التجديد بأسلوبه دعوه تمثلت في أشعاره؛ فإنه لم يهمل دراستهم؛ لأنهم سبقوه، أو لأنهم يمثلون التيار القديم، بل على العكس من ذلك، وجدت الباحثة وعكست ذلك في هذه الدراسة بأن أبا تمام يحفظ أشعار القدماء، مبنية بأن حفظ أشعار المحدثين، وحاول دراستهم، واستنباط الجيد والرائع من أشعارهم، كما كشفت على أنه درس سيدهم وأخبارهم، لتكون مادة خصبة في المواضيع التي يشير فيها إلى بعض الشعراء أو الحوادث المتعلقة بهم.
أما عقائد العامة والأساطير، فقد بينت أنها لم تجد أبا تمام يطوي عنها كتماً، بل منح نفسه لإستعمالها واستيعاب معانيه؛ لأنها تمثل صورة من صور عصره، أو صورة من صور ما في أمته فاستفاد منها أبو تمام بكثرة إشاراته الرائعة إليها، دون أن يلزم نفسه الإيمان بها، على حين يستعمل بعض الألفاظ المتعلقة بالأساطير استعمالاً مجازياً؛ ليشير إلى ما تؤديه اللفظة في الذهن العربي من دلالات اقترنت بها، مشيرة أخيراً بأنه، وإذا كان أبو تمام قد درس شعر المحدثين - وحتى الذين لم يتفق مع مذهبهم الشعري - فإن شعره يدل على إطلاعه الواسع على علوم عصره، وحفظه لمصطلحات وتعابير عرفت عند أهل الكلام والفلاسفة، وتعابير اختصت بها الفرق الإسلامية.
وهذه كلها تعطي صورة مثالية رائعة لأصالة الشخصية، ولإتساع الثقافة التي أهلّت أبا تمام لأن يسلك طريقاً لا يشق فيه غباره بين الشعراء والأدباء على اختلاف الأجيال. إقرأ المزيد