تاريخ النشر: 10/02/2015
الناشر: طوى للنشر والإعلام
نبذة نيل وفرات:"وفي تلك الأثناء يعود الضيف إلى مكتب الإستقبال وهو لاهث الأنفاس بعد أن بذل كل ذلك المجهود، ويأخذ القلم ويسجل البيانات الرئيسية عن نفسه في السجل الخاص بالقادمين إلى الفندق حتى يعرف من يكون هو وذلك في الإطار الملائم الموجود على الصفحة المليئة بالسطور، الإسم: ريكاردوريس العمر: 48 سنة، ...مكان الميلاد: أوبورتو، الحالة الإجتماعية: أعزب، المهنة: دكتور، آخر مكان كان يقيم فيه: ريودي جانيرو في البرازيل ووصل من هناك على ظهر الباخرة: "هايلاند بريجيد" هذا يبدو مثل بداية إعتراف أو مثل سيرة ذاتية متسمة بالطابع الشخصي للغاية، كل ما هو مخبأ يكون متضمناً في هذه السطور المكتوبة بخط اليد والمشكلة الوحيدة تكمن في تفسيرها، والمدير الذي كان يمدّ رقبته لكي يتابع الربط بين الكلمات مع التواصل إلى المعنى في نفس الوقت يعتقد أنه يعرف كل شيء تقريباً، وهو يعرف نفسه مبتدئاً بكلمة: دكتور ولا يقصد بهذا التملق والإطراء، وإنما كدليل على إحترام بعض الشيء، فيقول المدير: اسمي سلفا دور وأنا المسؤول عن هذا الفندق وإذا كنت ترغب في أي شيء يا دكتور عليك فقط بأن تخبرني بما تريد، في أي وقت تقدمون وجبة العشاء، يُقَدَّم العشاء في الساعة الثامنة يا دكتور وآمل أن تجد مطبخاً مرضياً ونحن نقدم أيضاً الأطباق الفرنسية، ويومئ الدكتور ريكاردوريس برأسه بما يفيد أنه يشارك في ذلك الأمل ثم يستردّ قبعته ومعطف المطر الخاص به من فوق الكرسي وينسحب.
وكان الحمال بإنتظاره في المدخل المفتوح لغرفته، وأدرك الحمال من خلال خبرته الطويلة أن البقشيش كبير وذلك بدون أن ينظر إليه فظهر على وجهه الرضاء والإرتياح وقال: شكراً جزيلاً يا دكتور… وجلس ريكاردوريس على كرسي وراح ينظر فيما حوله، هذا هو المكان الذي سيعيش فيه ومن يدري كم عدد الأيام التي سيقضيها هنا، وربما سيقوم بإستئجار منزل وفتح غرف للإستشارة أو ربما سيقرر العودة إلى البرازيل "ريكاردوريس الشخصية المحورية هو أحد الأسماء المستعارة التي استغلها الشاعر البرتغالي فرناندوبسوا (1888- 1935) والحوارات العديدة التي جرت بين "بسوا" و"ريس" في جميع أرجاء الرواية تشكل كمية شاملة ومميزة لحياة وأعمال أشهر شاعر في البرتغال منذ كاموس.
وريكاردوريس يمثل مظهراً حيوياً لطبيعة بسوا فهو شخصية خالية تنطق بأفكار بسوا وهو إلى حدِّ ما أشبه بممثل يعيد نصاً درامياً إلى الحياة.
ويعتمد الروائي سارا ماجو على التفاصيل الواقعية الحقيقية عن ريس والتي قدمها بسوا نفسه، بالإضافة إلى ذلك فهو يدعو القارئ من خلال عمله هذا إلى التأمل في البرتغال والعالم أثناء الثلاثينيات المائجة بالإضطراب من خلال عيني ريكاردوريس الذي هو الإسم المستعار لغيرناندو بسوا: وهي فترة السنوات العشر التي أصابتها فيها الآفة الغاشية والتاكتيكات الوحشية لدى صراع الدول على السيادة، ويقوم ساراماجو بربط الوثائق التاريخية الحقيقية مع التعليقات الخاصة التي يقولها ريس أو بسوا.
ويمكن القول بأن لهذه الرواية طابعاً مميزاً، ففيها يتداخل الشعر والفلسفة، كما وأن الرؤية - عن الجنس البشري - المقدمة فيها معقدة وشاملة، فبطل الرواية على النحو الذي قدمه ساراماجو هو كيان محفوف بالمخاطر ومسكون بأصوات غريبة ومنساق وراء الرغبات ومدرب من خلال المصلحة الشخصية فهو مخلوق غير عادي وتراجيدي.
بالإضافة إلى ذلك، فإن هذه الرواية والتي تشبه كتاباً ما عظيماً عن الحياة تتناول في دقة المسائل التي لا يمكن لرجل عاقل أو فنان أن يتجاهلها: الحقائق والدوافع وسرعة الزوال والإنعزال والعدم، ويغوص كل من: "بسوا" و"ريسن" على نحوٍ متزايد في إعياء وإرهاق لا نهائي لدى كفاحهما من أجل التوصل إلى تفاهم مع القدر أو المصير الإنساني، فالفكرة المسيطرة المتكررة في الرواية هي: "لا أحد يهرب من مصيره" والعالم بالنسبة للروائي هو بمثابة مسرح كبير نحقق فيه مصائرنا وأقدارنا المتعددة. إقرأ المزيد