جدل العدالة الإجتماعية في الفكر الليبرالي ؛ جون رولز في مواجهة التقليد المنفعي
(0)    
المرتبة: 108,073
تاريخ النشر: 26/01/2015
الناشر: جداول للطباعة والنشر والتوزيع
نبذة نيل وفرات:لقد كان هاجس الفيلسوف الأميركي جون رولز منذ إصداره لمقاله المرسوم بـ"العدالة بوصفها إنصافاً" سنة 1975 صياغة نظرية سياسية متسقة تحظى بقبول جميع أفراد مجتمع ينظر إليه أعضاؤه كمشروع تعاوني ينشد الفائدة المتبادلة والمشتركة وإلى أنفسهم كشركاء كمالي الحقوق داخله.
وقد أخذت هذه الفكرة صورة واضحة سنة 1971 في كتابه ...العمدة "نظرية في العدالة" من خلال صياغة مبدأين في العدالة جعلهما رولز عماد تصوّر عمد في للعدل في مجتمع تعدّدي يكون أفراده مختلفين حول رؤيتهم للخير وحول المثل الأعلى للسعادة والعيش الرغيد إلا أنهم تجمعهم المصلحة في العيش سوية وفي الحفاظ على شروط التعاون الإجتماعي الذي يعود بالفائدة عليهم جميعاً.
ويورد رولز هذين المبدأين كما يلي وفق ترتيب معجمي يحافظ على منطق الأوليات: المبدأ الأول: لكلّ شخص حق متساوٍ مع غيرة في النسق الشامل من الحريات الأساسية المتساوية وعلى نحو متسق مع نسق مماثل من الحرية؛ المبدأ الثاني: لا بدّ أن تنظم مظاهر التفاوت الإجتماعي والإقتصادي على نحو: أ-تكون فيه لصالح الأقل إمتيازاً، ب-تكون مرتبطة بوظائف ومواقع مفتوحة أمام الجميع وفي إطار من المساواة العادلة في الفرص.
ومع البساطة الظاهرة لهذين المبدأين إلا أنهما يندرجان في إطار جدل فلسفي وسياسي عميق في الولايات المتحدة الأميركية وفي العالم الأنفلور- سكنوني حول الفلسفة الإجتماعية للدولة وعلى إقامة أسس مجتمع متضامن ولكنه يحمي في الوقت نفسه الحرية الفردية وشروط الإستخدام الفعلي لها في كنف المساواة والعدل.
وقد أراد رولز لنظريته في العدالة أن تكون بديلة في هذا المجال للتيار الغالب على الفلسفة الإجتماعية والسياسية في أميركا المتمثل في الفلسفة المنفعية، ذلك هو إذن، وبشكل مختصر، تصور رولز للعدالة والتصور المنفعي لها، وقد أثارت نظريته تلك جدلاً مثّل في حقل الفلسفة السياسية المعاصرة فضاءً فكرياً مناسباً لإستكناه مشكلة العدالة الإجتماعية وشروط إمكان تحققها وهو ما سيعمل الباحث على بيانه على إمتداد هذا العمل.
وبناء على ما تقدم ستتمفصل مراحل هذا العمل حسب تمشٍّ يراعي كل المعطيات آنفة الذكر يعبر عن كل مرحلة منها فصل قائم بذاته، بحيث يتناول الأول النظر في الدوافع التي قامت رولز إلى نقد النظرية المنفعية، ومن ثمة رصد الأسس التي قام عليها ذلك النقد وطبيعة المنهج الذي يحكمه، والهدف المرتقب منه ضمن سياق فلسفي يشهد هيمنة التيارات الحدسية والمنفعية، وهي قضايا سيعالجها الباحث في سياق التمييز بين نظرية رولز الذهبية "العدالة فضيلة المؤسسات" وحقيقة التضاد بينها وبين النظرية المنفعية في إطار فصل خصصه.
لذلك، نظراً لأهمية الوقوف عند تلك الماهية ورصد أهم أدوارها وموضوعاتها وأبعادها التوزيعية وقدرتها على تنظيم المجتمع وإحكامه عبر ترسيخ قيم التعاون والتبادل والإنصاف، ثم يعقب ذلك النظر في مبادئ العدالة وفي ما تفترضه من تراتبية معجمية تؤكد معنى مخصوصاً للأولويات من قبيل أولوية الحريات الأساسية والمساواة فيها، وتبلغ أشكال التمييز أوجها بين نظرية رولز ونظرية والنجاعة الإقتصادية وما تطرحه من إشكاليات وإحراجات إن على مستوى التبرير أو على مستوى النتائج ضمن سياق يفرض؛ في نهاية المطاف، إتخاذ مسافة نقدية في النظرية المنفعية، وذلك ما سيكون مادة للفصل الثالث من هذا العمل.
وإلى هذا، سيُركز الإهتمام في مستوى ثانٍ من الكتاب على مسألة العقد الإجتماعي كحجة يعتمدها رولز في مواجهة التقليد المنفعي ضمن سياق ليبرالي يعطي الأولوية المطلقة في العدالة الإجتماعية لمسألة توزيعها في مقابل التجميع الحسابي للمنافع الذي ترتئيه المنفعية في إطار مقاربتها للمسألة من أجل تبين المنزلة التاريخية لنظريه رولز في العقد الإجتماعي في محاولة لإستجلاء أهم ميزاتها قياساً للنظريات السابقة عنها، أي فلسفات العقد الإجتماعي التقليدية كما صاغها هوبر وروسو وكانط ولوك، وتلك المتزامنة منها مثل نظريات غوتييه ديوكانان وهامبتون وآخرين، علاوة على ما قد يفصل نظرية رولز في العقد عن المنفعية.
وعليه، يأتي الفصل الرابع معبراً عن فضل العقد الإجتماعي كإجرائية بديلة عن المنافع تجميعاً وتأويجاً بحيث يرقى العقد الإجتماعي إلى مستوى الإختبار العقلاني في ظروف مثالية وهو ما سيكشف عنه الباحث عند عرضه لفرضية الوضع البدئي كفرضية مستحدثة نختلف عن فرضية حالة الطبيعة في نظرية العقد التقليدية من حيث الشروط والإكراهات التي تفترضها من أجل إختيار عقلاني مثالي يقضي على كل مظاهر التمييز التي يمكن أن تنشأ عن حياة الناس الواقعية والإجتماعية والتي من شأنها أن تمنع تحقيق العدالة والإنصاف.
وفي الفصل الخامس يحاول الباحث الكشف عن حجج رولز لصالح سيادة مبدأ تأويج الأدنى "كقاعدة للإختيار العقلاني وسيعمل على النظر في هذه المسائل الجوهرية ضمن الجدل القائم بين رولز والمنفعية حول العدالة الإجتماعية وشروط تحققها؛ مختتماً هذا المستوى الثاني بفصل يهتم فيه برصد أهم مزايا العقد الإجتماعي على صعيد المجتمع الواحد وعلى صعيد مجموع المجتمعات، أي محلياً ودولياً ضمن مقاربة فلسفية آدابية تشرع لإمكان تحقيق عقد إجتماعي كوني من أجل ترسيخ قيم التعاون والسلم بين شعوب العالم بعيداً عن كل ضروب الهيمنة والوصاية تحت لواء حماية المصلحة العليا للأوطان أو نشر الديموقراطية حتى يصبح الآخر حارساً لتلك المصلحة. إقرأ المزيد