تاريخ النشر: 14/06/2013
الناشر: دار الفارابي
نبذة نيل وفرات:"مازلت أكره الضوء، وهم يستقبلون العام الجديد بالأضواء... من نافذتي أتأمل مسالخ الطرقات المليئة بالكذب، والأشجار التي تختنق بمشانق من المصابيح الحقيرة، وأفاعٍ من الضوء تزحف على كل جدران المدينة، وتنفث سمومها في أرض الشمس.
لمّا أعرف معنى العيد بعد، فأنا لا أعترف بالبدع والخرافات، والعيد هذه وتلك! هل يأتي ...ليذكر الفقراء بفقرهم؟ والأيتام بيتمهم؟ والتعساء بحزنهم؟ اثنتا عشرة طرقة: ثم رصاص وأضواء تقتحم الليل... أحدّق إلى السماء علّها تسقط في دقيقة الصفر؛ يحتفلون بالوقت إذ يمضي، والوقت يسخر منهم ويسير إلى الوراء.... فزمن الرصاص لا يمضي، ما اتفه الوقت وأتفههم، اصمتوا، أنا كل ما أحتاج إليه هو هدوء المقابر، لدي فراغ بإتساع الكون، فكيف لهذه الأرض أن تحويني؟...
أغلقت النافذة، أسدلت الستائر كلها، أخاف أن يتطفل الضوء إلى تلك الغرفة ويتطفل على وحدتي... أو يعبث بلا مبالاتي، هكذا أخطو من سنة إلى سنة، وأنا أختبئ في فراشي، أتجرد من ذاكرتي، لا أفكر في شيء، فأنا أتجاهل تفاصيل الزمن، بصمت أتلو أمنيتي الوحيدة لهذا العام قبل أن أغفو... "أتمنى أن يرهل العيد"... وأغمض عيني: رحيل، افتحي عينيكِ يا صغيرتي، فالمسرحية لم تبدأ بعد" أيقظتني أصداء تلك الجملة العالقة في ذاكرتي، فتحت عيني وأنا خائفة، هي مجلة المشهد الأخير، قالها قبل أن يرحل ويتركني أترقب أحداثاً مجهولة، أدرت ظهري لا أريد أن أدخل معها بأي جدال، فأنا أعلم أن منطقها سيجعلني أترك منطقي وأدخل منطق الشوارع مع نفسي، منذ مجيئاً وأنا أكون كل ما في البيت، أكره جدران الباردة بياضها الباذخ، وغرفتها التي افترشت بألوان زاهية متناسقة بملل، أما أكثر ما كان يثير غضبي فيه، فساعة عملاقة تستند بكسل إلى الحائط في آخر الرواق.
كثيرة هي الأشياء التي جعلتني أشعر بالإختناق حين أدخل ذلك البيت، كنت أحن إلى غرفتي التي رتبتها بفوضى جميلة تتناسق مع روحي وحول السرير كتاب هنا وآخر هناك وقد اقتطعت صفحات منه تحدث فيها الكاتب عن الوقت الساذج... فارتحى الكتاب بين عشرات الكتب التي انتحرت من أعلى المكتبة، هامداً بين روايات جرّدتها من صفحتها الأخيرة... لأنني أخاف النهايات... وأخاف قراءتها، أحنّ إليها بكل ما تبقى لدي من حنين... "ادخلي غرفتك" صوت ذورنين وحشي اقتحمني... ضحكت ساخرة في نفسي: "أحمق وهل تظن أن هذه غرفتي؟" رؤىً وتطلعات إنسانية، غنية بإبداعية الخلق الحدث وتركيبة الزمن، وصاخبة في إزدحام أحداثها وأفكارها التي تتجلى في المفاهيم والمعاني، وإلى مفاهيم الفلسفة التي تعيد صياغة العالم كما تريد ذاكرة رحيل...
رحيل تلك الفتاة الحبرية من مدينة الشمس، اقتبست الكاتبة الفنية حياتها (وهذه القصة هي باكورة إنتاجها الأدبي) من مشاهد سقطت في واقعها... ونمقتها من مخيلتها... رحل والدها فجأة تاركاً لها بقايا إنكسار تلملمها، تصنع منها ذاكرة لها في زمنٍ لا يعرف الألفة الرصاص، وعالم رقمي تتنازع الأرقام فيه وتتناحر... كلها تريد أن تزيد... وهي في الحقيقة تنقص كلما زادت لأنها في دائرة الصغر... مشاهد خيبات تعيد نفسها، وهي تهرب من خوض ذكرياتها نمو مجهول تحوله لها الأقدار، وغشاء كآبة يستدل على سماء لبنان بينما كتبت حكاية حب... في زمن الحرب، وحكاية ذاكرة... من زمن الرصاص... إقرأ المزيد