تاريخ النشر: 01/01/2006
الناشر: دار صادر للطباعة والنشر
نبذة نيل وفرات:الشاعر الفرزدق هو همام بن غالب بن صعصعة بن دارم، فمن تميم، كنيته أبو فراس، ولقبة الفرزدق، لُقِّبَ به لغلاظة وجهه، ولد في البصرة ونشأ في باديتها، فشبّ بدويّاً كلَّ بدويٍّ: طباع جافة، وشكيمة قوية، وكان له من أمجاد قومه ومفاخرهم ما ملأ نفسه عجباً وتيهاً، وفسح له مجال ...الفخر: فأبوه غالب كان أحد أجواد العرب، وجدّه صعصعة هو الذي "منع الوائدات وأحيا الوئيدة"، قيل أن اشترى ثلاثمائة وستين معدّة للوأد كل واحدة منهن بناقتين وجمل؛ وأم الفرزذق هي لينة، وقيل ليلى تبنت حابس، أخت الصحابي الأقرع بن حابس، وهكذا كان الشرف يكتنفه من ناحيتي أبيه وأمه، قيل أنه نظم الشعر صغيراً، فجاء به أبوه الإمام عليّ بن أبي طالب وقال له: أن ابني هذا من شعراء مُضر فاسمع منه! فأجابه الإمام: علّمه القرآن؛ فلما بلغ الفرزدق تعلّمه وهو مقيّد لئلا يلهو عنه، وأصيب الفرزدق بذات الجنب فكانت سبب وفاته.
كان الفرزدق متعصباً لآل البيت، شديد التشيع لهم، مجاهراً لحبه إياهم، فإذا مدحهم لا نرى في مدحه لهم تكلّفاً، ولا جنوحاً إلى التكسب، بخلاف مدحه للأمويين؛ وخير دليل على حبّه لآل البيت قصيدته الميميّة التي مدح بها زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، كان فيها ما فيها من عاطفة صادقة وإندفاع شعوري يؤيَّد ما قيل عن تشيعه لهم.
وهناك دليل آخر على ذلك، فيروى أنه قال لمّا قُتِل الحسين: "إن غضبت العرب لابن سيدها وخيرها، فاعلموا أنه سيدوم عزّها وتبقى هيبتها، وإن صبرت عليه ولم تتغير لم يزدها الله إلى آخر الدهر إلا ذُّلاً"، وأنشد: "فإن أنتم لم تثأروا لابن خيركم... فألقوا السلاح واغزلوا بالمغازل"...
على أن تشيّعه هذا الشديد لآل البيت وحبه لهم لم يحولا دون مدحه للأمويين وإعترافه لهم بحقهم في الخلافة، فنراه في مدحه للحكم من أيوب الثقفي ابن عم الحجّاج بن يوسف يقول: "تراثُ عثمان كانوا الأولياء له... سربال ملك عليهم غير مسلوب"؛ ولعلّ حبّه التكسب منهم، وخوفه من أن يفتكوا به حملاه على قول ذلك، فأظهر في قوله خلاف ما يضمر.
وإلى ذلك... فإن الفرزدق هو ثالث الثلاثة الشعراء المقدمين في صدر الإسلام، وهم: الأخطل، والفرزدق، وجرير، وكانت لكلّ منهم في شعره ميّزة يمتاز بها على صاحبيه، وكانت ميزة الفرزدق الفخر؛ وكان الفخر أساساً يبني عليه هجائه، وفي هجائه لونان: لون يعمّ سائر الشعراء الهجائيين، وهو قائم على فحش الألفاظ والمعاني، وهتك الأعراض؛ ولون اختصّ به شعره وهو قائم على تغّلب روح الفخر فيه على روح الهجاء، ومواد الفخر كانت متوافرة عنده، فهو مثلاً في هجائه جريراً لا يترك فضيلة من الفضائل الجاهلية إلا نسبها لقومه: فضيلة الكرم والضيافة وغيرهما، فإذا انتهى من تعداد ذلك مستعلياً به على خصمه، انقضّى عليه بالشتم والتعبير، فلا يترك نقيصة إلا ألصقها به وبقومه، ويتخذ لذلك طريقة مقابلة: بيته ببيت خصمه، ونسبه بنسبه وآبائه وأعمامه وأخواله بآبائه وأعمامه وأخواله، والغنى والضيافات بالفقر والبخل، والإنتصارات بالإنكسارات، مندفعاً إندفاعات عاطفية قوية ارتكزت عليها ميزته واستندت إليها عبقريته، يبين بها عجز خصمه وضعفه عن اللحاق به فيقول لجرير: "أولئك آبائي فجئني بمثلهم... إذا جمعتنا يا جرير المجامع".
وأخيراً، فإن شعر الفرزدق جزل فخم؛ ولكنه صلب الألفاظ خشنها، وكان المفضل الضبيّ يقدّمه على سائر الشعراء، وقال فيه أبو عبيدة: "لولا شعر الفرزدق لذهب ثلث اللغة العربية" وشعره كذلك وثيقة تاريخية لكثير من الحوادث التي وقعت في أيامه... إلى القارئ ديوانه... ليمضي برفقته مستأنساً ومترنماً... مستمتعاً بأروع ما قيل في جميع الأغراض الشعرية، جزالة ولفظاً... ومعانٍ... وموسيقى... إقرأ المزيد