تاريخ النشر: 01/01/1994
الناشر: دار صادر للطباعة والنشر
نبذة نيل وفرات:كانت ولادة كثير عزة على الأغلب سنة 40 هجرية ووفاته سنة 105 هجرية، في آخر خلافة يزيد بن عبد الملك، أوْ في أوائل خلافة هشام.
توفي عنه والدُه، وهو لا يزالٌ صغيرَ السنِّ، وقد كان منذُ صغرِه سليطَ اللسان، ولم يكنْ على علاقةٍ طَيِّبةٍ مع أبيه، كفلهُ بعد موت أبيه، ...عَمُّه، وكلَّفه رَعْيَ قطيعٍ له من الأبلِ، حتى يحميَهُ من طيشه؛ فقضى هذه الفترة من حياته، إمَّا ساعياً بإبلِ عَمِّه وراءَ الكلاء والماء، وإمَّا شارياً الماشيةَ والإبلَ ليجلبّها لعمِّه.
بينما كان يسوق غنمه إلى منطقةِ الجارِ على ساحلِ البحرِ الأحمرِ، توقِّف عند الخَبْتِ، وقد التقى نسوةً من بني ضَمْرَة، فسألهنَّ عن أقربِ ماء منهنِّ ليوردَ غنمه إليه، فانبرتْ له فتاةٌ صغيرةُ السِّنِّ، أول ما كَعَب ثدياها، لترشدَه إلى الماء، وجرى بينهما أثناء الطريق كلامٌ رقيقٌ تعارَفاً بِهِ، وكانتْ في عَزَّة، فأُعْجِبَ بها وسَرَّهُ حديثُها وذَكاؤها.
وهي بنت حُميل بن حفص من بني حاجب بن غفار، كِنائيةُ النسبِ، يكنيها كثير في شعره، بأمِّ عمرٍو، ويُسميها تارةً الضَّمْريَّة، وابنة الضَّمْريِّ، نسبةً إلى بني ضَمْرة، وتارةً أخرى، ألحاجبية، نسبةً إلى جدِّها الأعلى حاجب، أو يناديها بــ "ليلى" نتعرَّفُ إلى حسنها وجمالِها، ونُضوجها المبكر، وأجزاء جسدِها من خلال وصفِهِ لها.
وأخذ يتردَّدُ على الحيِّ، حيّ عَزَّة، ويُنْشِدُها الشعرَ، مُتَوَدِّداً مُتغزِّلاً فأُعْجِبَتْ به وبادلتْه الحبَّ، فتناقلتْ أخبارَهما لِداتُها وأترابُها، وقد شهدْنَهُ وسمعْنَه، فشاعَ أَمرُه، وأمرُها، بين عشيرتها، وتداولتْ الصبايا شِعْرَهُ، إمَّا مُكايَدَةُ وإمَّا إعجاباً، مِمَّا حدا بأهلِ عَزَّه تزويجها من أول خاطب تقدَّم إليها، درءاً للعار، وإبعاداً للشبهة.
ويدل أن يردَعَهُ زواجُها من سواه، ويكتفي من حبه بالقدرِ الذي سمحت له عَزَّةُ به، وهي عازبٌ، أصرَّ وأَمعن في غزلِهِ مستعيداً أيامه ولياليه وذكرياتِهِ هاجياً زوجَها ورهطَه، فما كان من زوجِها إلا أن ابتعَدَ مُنْتَقِلاً من المدينة وغَوْرِ تهامة إلى مصر.
ولما بلغه نعيُّ عَزَّة، وكان في الحجاز، وقبرُ عَزَّة في مصر، قدم على عبد العزيز سائلاً أن يرشدَه إلى من يعرفُ قبرَ عَزَّة، فقال رجُلٌ من القوم: إني لعارفٌ به، فوثب كثِّير وقال لعبد العزيز: هي حاجتي، أصلحكَ الله، فانطلق به الرجلُ حتى انتهى به إلى موضع قبرها فوضع يدَه عليه ودمُعه يجري وهو يقول: "وقفتُ على ربعٍ لعزة ناقتي... وفي البرد رَشَاشٌ من الدَّمع يسفح"... "فيا عزّ أَنتِ البدرُ قد حالَ دونَه... رجيعُ الترابِ والصفيحُ المضرَّح"... "وقد كنتُ أبكي من فراقِكِ حيَّةً... فأنتِ، لعمري، اليومَ أَنأَى وأنزح"... فقارقه وأقامَ في الحجاز لا يفارقُه حتى وفاته سنة 105 هجرية.
لقد كان كُثَيِّر يجمع إلى قِصَرِ القامةِ، دَمَامةَ المنظرِ، فهو هزيل، نحيل، قصير دميم الوجه شاحِبُه، مع بقع حمراء تزيده بشاعةً، كانت دمامتُه هذه سبَبَاً في تعاليه وخُيَلاَئِهِ؛ فيقول عن نفسه واصفاً: "هو العَسَلُ الصافي مِراراً وتارةً... هو السمّ تستَدْمي عليه الذرارِح"... "يروق العيونَ الناظراتِ كأَّنَّه... هِرقليُّ وزَنٍ أحمر التَبرِ راجح"...
وهذا الديوان يتضمن شعر كثير لــ عزة سواء كان حب أو غزل أو عتب في أراءه. إقرأ المزيد