تاريخ النشر: 01/12/2011
الناشر: دار الوراق للنشر
نبذة نيل وفرات:الإستشراق قضية ثار حولها نقاش وجدال لم ينقطع منذ عقد وعديدة، وصارت تطفو على مظاهر الحياة الثقافية، سواء فيما تضخه المطابع من كتب حوله وتحب مسميات مختلفة، أو حين يصبح فصلاً أو فصولاً في كتاب ما، أو تُخصّص له دوريات يساهم في تحريرها نخبة من الكتاب من ذوي إتجاهات ...وتيارات مختلفة، كما أن البعض يتناوله بشيء من الحذر، كما يتناوله آخرون بشيء من التسطيح والإستهانة بأفكار الآخرين، وهناك من يكتب بحساسية مفرطة، بينما ينطلق صنف آخر من أفكار وتصورات مسبقة، كما يرى البعض أن المستشرقين لا يمكن أن يفهمونا كما نفهم أنفسنا.
ومهما يكن من أمر، يمكن القول بأن الإستشراق قد تحول إلى حقل معرفي مميز، له مناهجه وأطره ومدارسه الجديرة بالتمعن والتفاعل، كما تحولت بعض جوانب إهتماماته إلى مراكز علمية ثقافية تتم فيها دراسة تلك الجوانب بشكل جماعي، وبات الإستشراق أهم مصادر التثاقف المتبادل بين ما يسمى (الغرب) وبين ما يسمى (الشرق).
أما أنه (أي الإستشراق) صار يثير أعداداً متزايدة من المعنيين بحقول المعارف التي تتجدد مع الزمن، وما أضافه مفكر والعصر الحديث بإستمرار وما أصدروه من أحكام ورؤى جديدة ومتباينة بعد أن تحرّروا من أسر وذيول التأثيرات العاطفية (دينية، عرقية... إلخ)، التي أثارتها أحداث التاريخ، وتحرروا من الإرتهان للرؤى التقليدية المتعالية، في وقت أعلن فيه المستشرق الفرنسي جاك بيرك نعيه للإستشراق، كما أعلن نور عبد الملك أن الإستشراق في أزمة، وأوانه إدوار سعيد وفعل مثله إرفن جميل شك، كما أدانه كتاب آخرون، إضافة إلى أن الأمر في واقعه يمسّ الوتر المشدود بين طرفين، وما بينهما من تباين في الجذور والمنطلقات والرؤى والتناقضات المادة أحياناً.
وقد وصف ريتشارد سوذرن العلاقة القائمة بينهما والتجاذب بين المعرفة وإرادة القوة والإستحواذ، التي عبرت هذه العلاقة عن نفسها خلال مجموعة من التداعيات والتشابك، بما فيها علاقات قهر الآخر والإستيلاء عليه؛ وهذا ما ذهب إليه ميشال فوكو بما عناه من مفهوم الإستبعاد الثقافي والإجتماعي الذي فسر (أركيولوجيته) المعقدة التي تهيء المناخ للتعامل مع (الشرق) كتابع، أو كشيء يمكن التصرف به.
من هنا، يمكن القول بأن محاولة فهم مثل تلك المواقف من الإستشراق بأن أمراً محتماً حيث يمكن وضع الإستشراق داخل مفاهيم أو معانٍ أو مواصفات بإعتباره نظاماً أكاديمياً لدراسة وفهم الشرق، أو نمطاً من التفكير يرتكز على التمييز بين ما يعرف بــ (الشرق) وآخر يدعى (الغرب).
والسؤال المطروح كيف يتعين علينا أن نتعامل ونتفاعل مع الآخرين مع (الغرب) وبعبارة أخرى؛ مع الإستشراق والمستشرقين؟...
من هذا المنطلق، وفي محاولة إجابة عن هذا السؤال يسعى الكاتب حثياً نبذ الهوى والعاطفة قدر المستطاع، إنطلاقاً من موقف حضاري يؤمن بالمثاقفة، وفقد ما ترسخ في الأذهان من أمور قطعية لا تقبل النقاش، أو صار الجدال فيه من المحرمات (تابو) غير قابلة للبحث والدراسة وإعادة النظر. إقرأ المزيد