تاريخ النشر: 01/01/1992
الناشر: دار صادر للطباعة والنشر
نبذة نيل وفرات:تعاقبت سنون كثيرة ولا يعلم الناس من رسالة الملائكة إلا إسمها ، وأنها رسالة تشتمل على أجوبة صرفية سُئِل عنها أبو العلاء على نحو ما ذكره ياقوت الحموي في معجم الأدباء وإبن النديم وغيرهما . ثم عثر على قطعة منها في كتاب الأشباه والنظائر للسيوطي ، فتوهموا أنها هي ...الرسالة بعينها . ثم عثر فريق من العلماء المشارقة والمغاربة على نسخ منفردة لا تزيد عما في الأشباه والنظائر فأطلقوا عليها رسالة الملائكة ، ثم طبعت غير مرة ، وعُني جماعة بطبعها وتحريرها على اعتقاد أنها رسالة الملائكة بتمامها . وقد ظل علماء الغرب حيناً من الدهر لا يعلمون من أمر هذه الرسالة شيئاً حتى دخلت نسخة خطية من مقدمتها مكتبة ليدن . ثم دخلت بعض بلاد الغرب نسخ من الأشباه والنظائر تحمل في مطاويها هذه المقدمة . ولما ترجم كتاب كشف الظنون إلى بعض اللغات الأوروبية حمل إلى الغرب تعريفاً مجملاً بهذه الرسالة على نحو ما حمل كتاب معجم الأدباء بعد أن طُبع ودخل الغرب . وقد ذكرها جماعة من المستشرقين فيما كتبوه أو طبعوه من الآثار العربية ، منهم كولسبير في شرح ديوان الخطيئة ، ومرجليوث في رسائل أبي العلاء ، وكبير في شعر الأعشى ، ثم طبع الأستاذ كراتشكوفسكي ، المستشرق الروسي هذه المقدمة سنة 1932 ، بعد أن صرف عشرين عاماً في تحقيقها وضبطها ، وبعد أن اطلع على نسخة ليدن ونسخة الجامع الأزهر ، ونسخة أحمد تيمور باشا وغيرها ، ووضع لها مقدمة ممتعة باللغة الروسية ، هذا وقد ذكر بعض الذين كتبوا في أبي العلاء من جملة كتبه ورسائله ، رسالة الملائكة ، ومنهم إبن النديم وياقوت في معجم الأدباء . وكل ما كتبوه أن لأبي العلاء كتاب ديوان الرسائل ، وأن رسائله ثلاثة أقسام : الأول رسائل طوال تجري مجرى الكتب المصنفة : ككتاب رسالة الغفران ، وكتاب رسالة الملائكة . والثاني رسائل دون هذه الرسائل في الطول كرسالة المنيح ... والثالث الرسائل القصار التي جرت بها العادة في المكاتبة .. وقال فريق منهم أن هذا الكتاب أربعون جزءاً ، وقال آخر إنه ثمانمائة كراسة . واتفقت كلمتهم إن رسالة الملائكة ألفها المعري جواباً عن مسائل صرفية سأله عنها بعض الطلبة ، وأنها جزء واحد ، ولم يبين واحد منهم من هو السائل ، ولا ما هي تلك المسائل ، ولا تعرض واحد لتاريخ تأليفها ، ولا لشيء يفيد المباحث في إزالة الغموض والإبهام عن ناحية من النواحي . وقد اشتملت هذه الرسالة على ست عشرة مسألة وهي المذكورة في فهرس هذه الرسالة ، أجاب عنها أبو العلاء المعري ، وقدم أمام الأجوبة مقدمة ذكر فيها إحدى وعشرين مادة ، بحث عن أصولها وأوزانها واشتقاقها وأحكامها وغير ذلك . وهي : 1- ملك ، 2- عزرائيل ، 3- منكر ونكير ، 4- موسى ، 5- أرزبة ، 6- الجدث ، 7- الريم ، 8- الزبانية ، 9- غسلين ، 10- جهنم ، 11- سفر ، 12- مخاطبة الواحد بصيغة المثنى ، 13- يا رضو ، 14- الكمثرى ، 15- سفرجل ، 16- سندس ، 17- طوبى ، 18- الحيوان ، 19- الحور ، 20- الإستبرق ، 21- العبقرى . وكما هو واضح فإن هذه الإحدى وعشرين مادة فيها من كل وادٍ عصا ومن كل باقة زهرة ، وقد أراد أبو العلاء أن يجعل لها مناسبات تجعل منها وحدة جامعة لهذه الألفاظ ، وآصرة محكمة بين كل واحد وآخر ، فجعل نفسه وكأنه أشرف على الموت ، وأراد أن يدافع ملك الموت ويشغله بالبحث عن أصل ملك واشتقاقه ، ثم جعل نفسه كأنه دخل القبر ، فذكر أسماء لبعض الملائكة ، ثم خرج إلى المحشر فتصدى إلى البحث عن أسماء مسميات تكون في الجنة أو النار . وجعل من ذلك صورة خيالية ترتاح إليها النفس ، واستطاع بسببها أيضاً أن يجمع بين تلك الألفاظ التي تكلم فيها ، ولولا هذه الصورة لما وجد الإنسان مناسبة بين ملك وجهم والكمثرى وطوبي والسندس ، وغيرهما . وبهذه الصورة دل على قدرة واضطلاع بهذا العلم ، وسعة الإطلاع على الغريب والنادر والفصيح . وأما الأجوبة فالمذكور منها لا علاقة له بعلم الصرف ، وإن بعضه غير مذكور ، وهو القول في يأجوج ومأجوج ، والقول في المسمّهى ، والقول في الحديث " أنا فرط القاصفين " . ولا يبعد أن يكون السؤال عن يأجوج ومأجوج راجعاً إلى وزنها واشتقاقها ، ونحو ذلك مما يتعلق بعلم الصرف ، وهما إسمان أعجميان لقبيلتين من خلق الله ، جاءت القراءة فيها بهمز ومفيد همز . ومهما يكن من أمر فإن هذه الرسالة تمثل صورة تامة عما وصل إليه هذا العلم الصرف في ذلك العصر والعصور التي قبله ، وعما بلغ إليه العلماء فيه ، كما تمثل صورة كاملة عما كان يتمتع به العلماء من حرية القول والإقدام على نقد الأئمة ودحض حججهم ومناقشتهم في الدقيق والجليل من المسائل . إقرأ المزيد