شعرية الانزياح ؛ دراسة في جمال العدول
(0)    
المرتبة: 42,536
تاريخ النشر: 01/01/2018
الناشر: دروب ثقافية للنشر والتوزيع
مدة التأمين: يتوفر عادة في غضون أسبوعين
نبذة نيل وفرات:إذا كانت مشكلة اللغة الشعرية عبر مراحل تطورها تجنح نحو الإدراك التجريدي في سبيل الوصول إلى الحيثيات المقننة، فإن الدراسات الحديثة للغة الشعرية تعقد صلة حميمة بين الأفكار والأشياء، في إنحناءاتها الطبيعية، وبذلك تصحيح لغة الإبداع في هذه الحال محاطة بمحيط الإفتراض وليس بمحيط البرهان، وهي بهذا المعنى "إستعارة ...وتداع" في وقت كان فيه الإبداع منذ الأزل قائماً على التصوير المجازي.
غير أن البلاغين جعلوا منه "تصديقاً" يصوغ أسلوبه وفق الحجج والبراهين، فتحول الفكر اللغوي من الإنحناء الطبيعي إلى الإتساق بالأدلة، تبعاً لما يقتضيه سياق الكلام وفق منظور القياس المنطقي، ولن كانت الدراسات الحديثة مجبرة على تسويغ اللغة وردها إلى إعتبارها الأول: "التصوير بالمجاز" أو اللغة المجازية، فإن الغرض من ذلك هو إعطاء فحسة لمتعة العقل في تذوقه الأشكال الفنية.
إن تحول اللغة من طوبولوجية التكوين "النموذجي" إلى المجاز الذي يصنعه الشكل الفني في الإستعارة يمنح القدرة على الدخول في عالم المكاشفة، وهكذا تتجلى الإستعارة في ثوبها الإنزياحي بموجب أوجهها المتعددة.
من هنا، يمكن القول بأن عملية التحول هذه تحيل على خطاب يصبح فيه المخاطب منفلتاً من المرجعية النموذجية، التي طالما منحت النص قاعدة تأسيسية يصعب إختراقها، ارتكزت على قانون: التطابق/ التماثل؛ إن توظيف الإستعارة كان وما يزال يكشف قدرة الإنعكاسات بدءاً من نزوعها العفوي إلى توجهها الفني بغرض إظهار الشيء بما هو جسد للفكرة في تصويره الفني البليغ من خلال تحويل العالم الواقعي إلى عالم متخيل، أي من واقعية الشكل إلى إفتراضية التصوير، وهي إشارة تنبني على كسر الإطار النموذجي والشروع في ملامح المكاشفة الإيمائية.
في خضم ذلك هل يمكن للغة الشعرية أن تتحدد في النص بمستوى معين، وبشكل نهائي وتام؟ أم أن هناك علاقات غير قابلة لأي تحديد؟ وهل بوسع اللغة بمظهرها الطبيعي ما يجعلها ممكنة بمقدار تشعب العلاقة الشعرية "للبحث في معنى الأشياء"؛ إن ما يقع على عاتق اللغة الشعرية ليس إعتاق العلامة الشعرية وحسب، وإنما إستعادتها في حركية من عزلة الدال بمستوى حرية المدلول؛ ونتيجة لذلك يبدو الإنزياح "مسافة إختراق" بوصفه الشكل الذي يكف عن أن يكون نموذجاً لشكل آخر، وعوضاً عن ذلك اهتمت الشعرية بكسر النماذج ودحضها، والبحث فيما يفلت من الإنساق ولا ينخرط في النظم.
من هنا، تأتي هذه الدراسة التي تتبع فيها الشعرية أثر ذلك الإنزياح إنطلاقاً من خوض تجربة تأملية اقتضت النظر في اللغة الشعرية على أنها نمط تعبيري شاذ ومنحرف، يستحو صلابة حضوره من درجة شذوذه وإنحرافه، فكانت الحاجة إلى قاعدة تثمن مستويات الإنزياحات وأشكالها، وذلك بالقياس إلى مدى عدولها عن الإستخدامات اللغوية العادية، وبقدر ما تحدثه من إهتزاز في تقبل القارئ.
وعلى هذا فإن هذه الدراسة تنتهي إلى نتيجة وهي أن الشعرية هي بحث في ما يكون به الأدب "أدبياً"؛ أي في تلك الخصائص الممكنة لكل إبداع متميز وخلاق، والإنزياح هو ممكن اللغة في لحظة المكاشفة الشعرية، ولذلك فإن لهذا الممكن أكثر من طريقة للإبتكار والخلق. إقرأ المزيد