تاريخ النشر: 31/12/2010
الناشر: دار الغاوون
نبذة نيل وفرات:حيث أن اللغة كينونة؛ حيث إن المفردة جوهر هذه الكينونة؛ حيث إن الشعر إمكان تجلِّي هذه الكينونة، والكتابة فعل تحرّر؛ القصيدة هنا في ذلك الفعل الذي لا يرضى بالأدنى ويذهب أبعد من التخوم في مغامرة الحياة وليس العيش متحرّراً - ليس من قيود الخليل وليس من المحسّنات البديعية أو ...فخامة البلاغة - لكن من ذاته أيضاً ومن الآخر ومن الكلام ليستنطق الصمت: "كم من العمرِ أمضيتِ... وأنت تُثملين جراحاتك بخمرِ دمعك... ولحن الآه الغارقة في صمتك... تصدح... لتفضح... سخف الأسرارِ المعتَّقة داخل حناجرِ بوحك".
الصمت مقول إختراقيّ، يجوس خلال الحرف: "الحرف فجِ إبليس" أو هكذا هتف ذات يوم صاحب "المواقف والمخاطبات"؛ الحرف بإعتباره كائناً كومسولوجياً قادحاً للشعرية في أعلى تجلّياتها، كذلك النص الحديث يُعوِّل على مخزون الحرف والمفردة بذاتها، يحرّرها من سياقها الترتيبي ويحتفل بها كمنتج مستقلّ بذاته لإنتاج المعنى وهي تقوم بإشعاعها النووي في تعالُقها مع بقيّة المفردات وأنطولوجيا الحرف مع الوعي بضرورة مقاومة تمثّلات تراثق من التكرار: "حروفي... التي تتساقط على كفَّيك... كتفَاحة شهيّة... نضجت... سقطت... من على سفح شجرة... تشيخ في العراء.... وحيدة... تموت واقفة... وهي تبح عن ظلّ.
تذهب "إيمان الطنجي" بعيداً في تهجئة حروف الغياب والتسكّع في أروقته، بل وتشكيله مرايا، راصدةً المسافات بمنعطفاتها خلاله، الغياب في جميع تشكّلاته: التغييب، الغيبوبة، الإغترب، وتعمل على مقاومة هذا كلّه بإعتبارها إمرأة منفيّة مقصيّة مغيَّبة ككائن أولاً وكإنسان وكامرأة وكشاعرة، إنها تعلن التمرّد على الأنفاق الضابطة مسبقاً لأشكال الصياغة وسُبُل إنتاج الدلالة وإستحداث علاقات متوتّرة داخل كيان الخص وتركيبة طارئة والإتجاه إلى بلاغة مفارقة وإلى إيقاع متناثر ظاهرياً وإلى دلالة عصيّة داخل إيهاب من الغموض الخلاق هو عبارة عن عَتَمَة مضيئة وتتنفّس الخطيئة خطيئة الوجود الفعلي، وهي إذ تتمرّد على المرأة فيها ليس إنكاراً لجنسها ولكن كمواجهة أخرى ضدّ حالات قمعها وتغييبها: "لست بإمرأة من طين... كالشيطان خُلقت من نار".
سوف يتجلّى هذا التمرّد أيضاً على مستوى طريقة القول وأنساق الكلام وتركيبة الجملة حيث أنها جملة فوضوية تتنكّب السياق التقليدي لتخوض معالجة أخرى في توليد المعنى بوقفاتها المفاجئة ذلك أن الشعر الجديد هو سياق مستمرّ للتحوّل من التقريرية الإنشائية إلى البحث والمطاردة من أجل إصطياد الكون، فهو صيرورة ذاتية... حركة وتجربة، وما حالات الحذف والتضمين وتكسير تراتبية عناصر الجملة سوى تشكيل مختلف للصورة الشعرية: "كحزنٍ إليك يتسرّب... كدم مكسور... يبعثُ فيك إغتباطة ثكلى". أو: "لأني إمرأة... مخلوقة من ظلال... أعلم كم هو ممتع هذا الخفاء... وما معنى أن أشاطر الزئبق مراوغته... والدهشة مداهمتها".
محصلة الأمر أن الشاعرة "إيمان الطنجي" تُكابد الكتابة الشعرية بالبحث عن أدوات وأساليب مغايرة، تهجس بالجمالي والمتجاوز وهو ما سيظهر في شغفها بربط المتناقضات والتنافرات سواء على مستوى المفردات أو على مستوى بناء الصور، مما أدّى إلى تشكيل خلايا إيقاعية غير فيزيائية، لكنها تستمدّ دوزناتها من أنساق التركيب العشوائية ومن طرق تشكيل الصور الشعرية ومن التواتر المتدفّق للجمل الفعلية دون أدوات العطف: "تصرخُ في وجه الصقيع... تشهقُ كثكلى... تزفر كجمود... تتغنى بفضيلتها"؛ وأحياناً أخرى من حالات التداعي المسترسل للمفردات دونما إسهاب أو الوقوع في شرك الهذيان: "ملاءاتي... كفني... منديلي... شرنقتي...".
"إيمان الطنجي" شاعرة متوهّجة على طريقتها، تدشّن مسيرتها الشعرية، على الأقلّ ورقياً، بكتاب يهجس بالبحث عن الجمالي دونما إهمال للمعنى والفكرة؛ "أرملة الظلال" ليس مجرّد ظلال، وإنما تخوم أبعد من الضوء. إقرأ المزيد