مقامات بديع الزمان الهمذاني
تاريخ النشر: 01/01/2016
الناشر: مؤسسة الإنتشار العربي
نبذة نيل وفرات:المقامة في إطارها اللغوي تمثلت في حديث يلقى على جماعة من الناس أما بطرف النصح والإرشاد وأما بغرض الثقافة العامة أو التسول، ومع كلّ فإنها لم تلتزم شكلاً فنياً محدداً وكل ما يميزها أنها حديث ذو نزعة وعظية أو ثقافية يلقى على جماعة من الناس.
وفي حقيقة الأمر، فإن أغراض ...مقامات البديع كلها دارت حول تلك الأمور الآنفة الذكر، ولم تقتصر على الكدية والتسول، كما ذهب إلى القول أغلب الباحثين، فمقامات البديع تختلف مواضيعها الواحدة عن الأخرى بشهادة البديع نفسه، ولكن الدية صفة بطلها التي لا تفارقه وهو البديع نفسه حين يحتال لأمر أو يعرض ما عنده من بضاعة أدبية ولغوية وثقافية أو حين يسخط أو يحنق أو يرق ويفتخر، فلقد كان في كل ما وضع من مقامات وكأنه يكرر بعض ما جاء في رسائله، وإلى ذلك فهو يجلو صورة دقيقة لعصره؛ لا سيما وأنه بذاته ابن شرعي لذلك العصر بإمتياز.
وحول هذه المقامات يقول محمد عبد خير الله المصري: ... وبعد فقد عرف الناظرون في كلام العرب، وشهد السالكون على مناهج الأدب، أن الشيخ أبا الفضل أحمد بن الحسين بن يحيى بن سعيد الهمزاني المعروف ببديع الزمان قد طبق الآفاق ذكره، وسار مثلاً بين الناس نظمه ونثره، فله الرسائل الرائقة، والمقامات الفائعة، والقصائد المؤنقة؛ وله المعاني العالية، في العبارات الحالية، والأساليب الساحرة، في الألفاظ الباهرة.
وما أجدره بقول نفسه في وصف زهير "يذيب الشعر والشعر يذيبه، ويدعو القول والسحر يجيبه"، ولا حاجة للإطالة فيما ظهر حتى بهر، وبلغ شهر الشمس والقمر، ومن أشرف ما إمتاز به كلامه أنه يباهى كلام أهل الوبر رصانه ورفعة، ويمتزج بطباع أهل الحضر رقّةً ورواء صنعة، فبينما يخيل لسامعه أنه بين الأجنبية والخيام، إذ يتراءى له أنه يبين الأبنية والأطام وقالوا إنه أنشأ من المقامات زهاء أربعمائة مقامة لكن لم يظفر الناس منها اليوم بغير عدد قليل ينيف على الخمسين، وهو على نذراته غزير الفوائد كثير الفوائد.
من هنا، تأتي أهمية هذا العمل في إصدار هذه الطبعة الجديدة لمقامات بديع الزمان الهمزاني، حيث أن هذه المقامات شكلت علاقة فارقة في تاريخ النثر العربي، وكانت مصدر الهام للقصص التشردي "البيكاريسك الغربي"، فالهمزاني هو الرائد في كتابه المقامات لم يقتصر فيها على المؤلفة اللغوية والبيانية كما فعل مقلدوه (الحريري والبازجي مثلاً لا حصراً) بل لقد صوّر زمانه ومكانه ونفسيات أهل ذلك الزمان والمكان تصويراً نافذاً أو عميقاً وكل ذلك بلغة لم تفقد حتى اليوم نضارتها وإشراقها وعمقها.
وتجدر الإشارة بأن ما يميز هذه الطبعة أنها قدمت المقامات كاملة غير منقوصة، كما أن الحرص فيها كان شديداً على إصدار النص في حلة وهيئة تناسبه وتليق به ليقدم هذا الأثر الخالد كما هو ليكون متعة وفائدة سيجدهما القارئ وهو ينقل البصر مع عيسى بن هشام في أمكنة تعود إلى الحياة وهي تضج بالحياة والعافية بقدرة ريشة البديع الساحرة التي لا يهدفها الموت. إقرأ المزيد