المجموعة الكاملة لمؤلفات جبران خليل جبران - المعربة
(0)    
المرتبة: 73,173
تاريخ النشر: 31/12/2008
الناشر: كتابنا للنشر
نبذة نيل وفرات:"وتقدم إليه أحد الذين خدموا في المعبد، ضارعاً وقال: "علمنا يا معلم أن تكون كلماتنا مثل كلماتك، غناء للناس وطيباً عابقاً". أجابه المصطفى قائلاً: "سوى تسمو على كلماتك، ولكن طريقك ستظل نغماً وأرجاً: نغماً للمحبين وكل من هم أحباء على السواء، وأرجاً لأولئك الذين يودون الحياة في بستان. "بيد ...أنك ستمسو على كلماتك إلى ذروة يتناثر فوقها غبار النجوم وستفتح يديك حتى تمتلئا، وعند ذاك ستضطجع وتغفو كما يغفو الفرخ في عش أبيض، وتحلم بالغد كما تحلم البنفسجة البيضاء بالربيع".
أجل! وستغوص إلى أعمق من كلماتك: ستنشد ينابيع الجداول التائهة، وستكون كهفاً مخبأ يردد أصداء الأصوات الخافتة التي تتعالى في الأعماق، وأنت لا تسمعها الآن. "ستغوص إلى أعمق كلماتك، إلى أعمق من كل الأصوات، إلى قلب الأرض، وهناك ستكون وحيداً "معه" مع ذاك الذي يسير على المجرّة".
وبعد برهة سأله أحد التلامذة قائلاً: "حدثنا أيها المعلم، عن الكون ما هو؟". نظر المصطفى إليه ملياً، وشعر بإنعطاف حبّ نحوه، ثم وقف، ومشى بضع خطوات بعيداً عنهم، ثم عاد وقال: "هنا في هذه الحديقة يرقد أبي وأمي، دفنتها أيدي أحياء.
وفي هذه الحديقة ترقد مدفونة بذور الأمس، جاءت بها إلى هناك أجنحة الريح، وسيدفن أبواي هنا ألف مرة، وألف مرة ستدفن البذور هنا، ولذلك سوف نأتي أنا وأنتم وهذه الأزهار معاً لألف سنة في هذه الحديقة، كما نحن الآن، ولسوف "نكون" نحب الحياة، ونحلم بالمدى، ونتسامى نحو الشمس، "غير أن الكينونة" الآن إنما هي تكون حكيماً، لا غريباً على ذلك، مع المجنون أن تكون قوياً ولكن لا لشيء على الضعيف، وأن تلعب مع الأطفال، لا كوالد بل كرفيق يود أن يتعلم ألعابهم. "وهي أن تكون بسيطاً وديّاً مع الطاعنين في السن من الرجال والنساء، وتجلس معهم في ظلّ السنديانة العتيقة، وإن كنت لا تزال تمشي مع الربيع". هي أن تسعى وراء شاعر وإن كان يعيش وراء سبعة أنهر، وتهدأ في حضوره، لا تريد شيئاً، ولا ترتاب في شيء، ولا تنبس شفتاك بسؤال، "هي أن تعرف أن القديس والخاطئ أخوان توأمان، أبوهما "الملك الغفور" وأن أحدهما ولد قبل الآخر بلحظة فقط، ولذا نحن ننظر إليه على أنه أمير متوّجٌ... "هي أن تنبع الجمال حتى وإن قادك إلى حافة الهاوية، وهو، وإن كان مجنحاً وأنت بلا أجنحة، وأن مرّفوق الهاوية، عليك أن تتبعه، لأنه حيث لا جمال، لا شيء هناك... "هي ان تكون سلبياً، مخدوعاً، مخيّباً، أجل ومضلَّلاً، وقع في الفخ ومع ذلك كله تنظر من علياء ذاتك الرهبة إلى ما هو دونك، وتبتسم عارفاً أن ثمة ربيعاً لا بد أن يأتي إلى كرمك ليرقص في أوراقه، وخريفاً لينضج عناقيده... عارفاً أنه لو ظلّ لديك شباك واحد منفتح على الشرق، لن يفرغ منزلك أبداً".
وهكذا يمضي جبران في استلهاماته ناسجاً عالماً من المعاني والعبارات التي تحاول أن تسمو بالنفس الإنسانية إلى أرقى الأحوال. وهو لم يخطئ إذ جعل هذه الإستلهامات وغيرها تحت عنوان "النبي"، وكما هو جبران في حالاته الوجدانية في كتابه النبي، فهو كذلك في جميع أعماله الكاملة الذي ذخر بها هذا الكتاب والذي حفل أيضاً لكل ما لدى جبران من رسومات. فالكتاب موجه إلى عشاق جبران وإلى كل نفس إنسانية تطمح إلى الإرتقاء والسمو. إقرأ المزيد