الدروز والتحول الكبير ؛ 1825 مقتل الشيخ بشير جنبلاط - 1861 المتصرفية
(0)    
المرتبة: 78,194
تاريخ النشر: 01/01/2009
الناشر: المركز العربي للأبحاث والتوثيق
نبذة نيل وفرات:الدروز تعبير عن جماعة برعت، ولقرون عديدة في فن البقاء. لا شك أن للدروز ميزات أخرى أسوة بباقي الجماعات، لكن أزمة المصير التي واجهت الدروز منذ نشأتها الأولى، جعلت عبقريتهم ناشطة على الدوام للاستعاضة عن نقصهم العددي، بوسائل استطاعوا بواسطتها تحقيق المنعة والشهرة والاستمرار. ولما كانت الأوتار المشدودة على ...الدوام، ترتخي، ظهر التعثر في بنية مجتمع الدروز بعد ما يزيد على ثمانية قرون من اليقظة والتحفز.
إن الفترة التي يتناولها هذا الكتاب، هي تلك التي عجز فيها الدروز عن إخفاء عوامل الضعف التي أخذت تنتاب مجتمعهم منذ قرابة قرن مضى، فمعركة عيندارة 1711 أظهرت مقدار ما افتقده الدروز من براعة في فن البقاء، إذ غابت عنهم أهمية الكتلة وفعاليتها، عندما ارتضوا لنسبة غير قليلة منهم، الهجرة القسرية إلى خارج المكان الذي جمل اسمهم.
لا شك أن معركة عيندارة، جعلت نقص الدروز العددي، خطيراً. غير أن هذا النقص كان يمكن ستره خلف تراث واسع من الثقة بالنفس، على الأقل في مراحله الأولى، طالما كان الدروز ي تلك الفترة ممتلكين لأهم وسائل الإنتاج والرزق، وهي الأرض. وهذا ما كان أنداد الدروز في الجبل، الموارنة، يدركونه. فقد أدرك الموارنة الذين ملأوا المنازل الكثيرة التي أخلاها الدروز اليمنيون بعد هزيمتهم في معركة عيندارة، بأنهم سيبقون عمالاً في مزارع وحقول أسيادهم الدروز، إذا لم يمتلكوا الأرض بدورهم.
لم يبق الموارنة في بلاد الدروز، فقراء. وفشل الدروز في تقاسم السلطة معهم بعد أن نجح بعض الموارنة في الحصول على الثروة من التعلم والتجارة والحرف. وهذا ما قاد المجموعتين (دروزاً وموارنة) إلى التصادم في عام 1825. انتهت المواجهة بمقتل الزعيم الأول بين الدروز، الشيخ بشير جنبلاط، وتمت مصادرة الكثير من الأراضي والممتلكات، ونزحت أسر كثيرة من الجبل إلى حوران.
أصبحت التحديات التي تواجه الدروز منذ تلك الفترة، غاية في الخطورة، إذ أنهم أصبحوا أمام مشروع يتجاوز قدراتهم، وقدرات الموارنة، مشروع إقامة كيان خاص بالموارنة. ولما كان تحقيق هذا المشروع معتمداً على ملائمة السياسات الدولية، أصبحت الإمارة برمتها رهناً لتبدل موازين القوى المتحكمة بأحوال السلطنة العثمانية. لم تستسلم إرادة الدروز للواقع الجديد، وانتظرت مدة خمس عشرة سنة حتى تكشفت ظروف تنذر أندادهم (خصومهم) الموارنة خاصة، والمسيحيين عامة، بشر عظيم ناجم عن فترة سيطرة المصريين على بلاد الشام. كان الدروز مهيأين للاستفادة من هذه الظروف، فخاضوا في عام 1841 حرباً مع الموارنة، استعادوا بعد انتصارهم في هذه الحرب، ممتلكاتهم وأرزاقهم وهيبتهم. لكن الموارنة الذين كانوا قد أصبحوا على قدر من القوة والتمسك، لم يستسلموا بدورهم لنتائج حرب 1841، فوقعت المواجهة الدموية الجديدة عام 1845، وكانت أكثر وبالاً على الموارنة من الحرب السابقة.
تنعم الدروز بالثروة والمكانة، مدة مساوية لتلك التي أمضوها في الفقر والضعة، أي، خمس عشرة سنة. فما أن بدأ عام 1860، حتى عادت المجموعتان (دروز وموارنة) إلى المواجهة الدموية من جديد.
لقد تضمن هذا الكتاب بعضاً من المآسي التي نزلت بالمسيحيين في هذا العام (1860)، إذ تعرضوا لانتقامات فظيعة، أينما حصلت المواجهة. ومن نجا منهم، نزح عن الشوف إلى خارجه. وأصبح الدروز في تلك الفترة، أسياداً وحيدين على الجبل الذي حمل أسمهم لقرون عديدة.
لقد خاض الدروز ثلاثة حروب قاسية مع الموارنة، من أجل إبقاء سيطرتهم على "الكيان" الذي أوجده أسلافهم. لكن دماء المسيحيين، التي أهرقت ظلماً في دمشق (حيث أن حرب الدروز والموارنة صنفت حرباً أهلية)، هي التي أفقدت الدروز فرصة الاستفادة من انتصارهم عام 1860 إذ أن أوروبا قاطبة هاجت من أجل الحفاظ على المسيحية في الشرق، وشكل قناصلها المجتمعين في بيروت لجنة لدرس السبل التي تكفل بقاء المسيحيين واستمرارهم بعيداً عن مضايقات المحيط، فكان كيان المتصرفية الذي بدا مسيحي الطابع، وحظي بضمانة أوروبية شاملة. والمتصرفية، هي بالنهاية تمدد الكيان السابق، إلى مناطق الشمال كجبيل وجبة بشري وجوارها، حيث التواجد الماروني الكثيف الذي عزز الكثرة، ومن ثم النفوذ.نبذة الناشر:هذا الكتاب يتناول مرحلة العلاقات الحادة والمتوترة بين الدروز والموارنة في القرن التاسع عشر. إقرأ المزيد