تاريخ النشر: 01/01/2006
الناشر: المؤسسة الحديثة للكتاب
نبذة نيل وفرات:يعتبر الشعر الجاهلي بحق، المرآة التي تعكس الحياة العربية قبل الإسلام، أو قُلْ أن هذه الحياة، قد انعكست بكل صدق في المرآة التي نسبها الشعر الجاهلي بحيث باتت لنا من خلاله، كل القيم الاجتماعية، وكل العناصر السلوكية التي كان ينهجها الجاهلي كفرد، والجاهليون كمجتمع، وذلك قبل أن يأذن الله ...تعالى بدعوته الإسلامية لقد عاش الجاهلي في أفق الهجرة والإرتحال، سعياً للفكاك من قيد الطبيعة القاسية، مسكوناً بها حبس شبه مرضي: هاجس الحرية والإستقلال، وأنه لما يثير الإنتباه والإهتمام، أن تجد القصيدة الجاهلية - التي هي مرآة الإنسان الجاهلي - تُعزْب في جميع الموضوعات، نسيب - طرد - قنص - فخر - مدح - ثأر - عتاب - هجاء، إذ القصيدة كما تبدو لنا، صورة للإنسان الجاهلي الذي لا يتموضع، فهي بالتالي لا تتموضع، بل ترتحل وتعيش اللحظة تلو اللحظة، وتعبر عن اللحظات الشاردة شرود صاحبها، كما تتهيأ، بلا تصنع، ولا تكلف.
أما الروح الإستقلالية عند الجاهلي، فقد انعكست بدورها، في وحدة البيت، فوحدة البيت، هي رمز لإستقلالية الفرد والقبيلة، والمعادل الفني لوحدة الخيمة / استقلاليتها.
فاستقلالية الأبيات، قد تعكس لنا بكل تجوز استقلالية عرب الجاهلية، في قبائل وأفخاذ وبطون، لأن عرب الجاهلية هم المعاني الثمنانية للقصيدة الجاهلية.
أما بالنسبة لعمودية القصيدة الجاهلية وحسب مذهب القدماء؛ فقد رأوا أنها تعود إلى ما قبل الإسلام بمائتي عام، فقد ذكر الجاحظ مثلاً في كتاب الحيوان: "وأما الشعر فحديث الميلاد صغير السن، أول من منهج في سبيله وسهل الطريق إليه امرؤ القيس بن حجر ويهلهل بن ربيعة، وكُتُب أرسطاطاليس ومعلمه أفلاطون ثم بطليموس وبقراط، وفلان وفلان وقبل بدء الشعر بالدهور قبل الدهور والأحقاب قبل الأحقاب".
ويضيف الجاحظ: "فإذا استظهرنا بناية الإستظهار فمائتي عام"، على أن المستشرق الأوروبي كارلونا لينو الذي رفض أن يكون الشعر العربي حديث السن، فقد عاد في الختام وقال: إن العلماء من العرب الذين قالوا بمدة مائة وخمسين سنة تقريباً للشعر الجاهلي، لم يبعدوا عن الصواب إذا فرضنا أنهم أنما أرادوا بذلك ما وصل إلينا من الأشعار القديمة".
على أن أهم ما يلفت من ذلك كله، أمران أساسيان: أولاً: وصول القصائد إلينا وهي ثني موحد، ونريد بذل عاموديتها، ثانياً: قرب عهدها من الإسلام وفجرة الدعوة [...].
وهكذا يمضي الباحث في تصيه للشعر الجاهلي من خلال هذه الدراسة التي استدعت منه القيام بجولة تاريخية للبحث في الأسس التي جعلت لهذا الشعر ماهيته، سماته، أغراضه، معانيه، ومن ثم ليمضي في تسليط الضوء على شعراء العصر الجاهلي ممن شكلوا نسبة بارزة في شعر تلك الحقبة!...
فكان لا بد للباحث أولاً من مقدمة اتسعت لتقدم للقارئ، وبالتفصيل عن المهد الذي نشأ الشعر الجاهلي في أحضانه، ثم البيئة التي كان لها التأثير الأكبر في نشأة القصيدة الجاهلية وانطلاقتها لتشكل معلماً مميزاً في تاريخ الأدب والشعر، وحقبة لها سماتها، مكرسة فصلاً هاماً من فصول تاريخ الأدب العربي بصورة عامة، والشعر العربي على وجه الخصوص، هي حقبة "الشعر الجاهلي" من أجل ذلك دار الحديث في المقدمة حول المجتمع العربي في العصر الجاهلي، حيث عمد إلى تحديد الموقع الجغرافي لجزيرة العرب، مهد الشعر العربي الجاهلي، ثم الحديث عن الحياة الاجتماعية والسياسية والدينية والعقلية، لما كان لها جميعها دور فاعلي في قصيدة الشعر الجاهلي، ثم لتتشكل هذه الدراسة ضمن أربع وعشرون فصلاً، فتحدث عن مضامينها على التوالي: ١- تاريخ الحياة العربية بظهور الإسلام، إذ تشكل الإسلام المنعطف الهام الذي يؤرخ بظهوره ما حدث قبله وما حدث بعده، ليبين وبعد تلك الجولة التاريخية للمعتقد الديني الذي كان سائداً أثر المعتقد الديني في الشعر ودلالات الشعر الجاهلي وظاهرية العمودية وموضوعات القصيدة، وتأثير السلوك الفردي والإجتماعي في واقع القصيدة وموقف الدعوة الإسلامية من الشعر، وبالمقارنة، إعطاء لمحة حول الشعر العربي خارج الجزيرة، ٢- ليتم الإنتقال من ثم إلى البحث في أصول الشعر العربي من حيث صلته بالأسطورة، ثم بيان منازل الشعر قبل الإسلام، ٣- ثم التوقف عند منازل الشعر والشعراء الأوائل قبل الإسلام، ٤- ثم الحديث عن رواة الشعر وروايته، ٥- ليتم تسليط الضوء على مسألة الإنتحال في الشعر الجاهلي، ٦- ثم الكشف عن ينابيع الشعر العربي بما يشتمل الحديث عن المملقات والمفضليات والأصمعيات وجمهرة أشعار العرب، ثم الحديث عن أهم الدواوين بما أطلق عليه دواوين الحماسة وأشهرها: حماسة أبي تمام والبحتري ثم الحماسة البصرية لتسليط الضوء من ثم، بصورة عامة، على دواوين الشعر الجاهلي، ٧- للإنتقال من ثم إلى البحث في دواوين أشهر شعراء الجاهلية: امرؤ القيس، زهير بن أبي سلمى، ٨- والحديث عن الأغراض الشعرية، وبيان أهمها: فن المديح، ٩- فن الهجاء، ١٠- فن الرثاء، ١١- فن الوصف، ١٢- فن النسيب والغزل، مع تقديم دراسة حول كل غرض من تلك الأغراض وإعطاء نماذج لأشهر شعراء هذه الفنون، ١٣- لإعطاء لمحة موسعة من ثم حول هذه الفنون بصورة عامة.
وللإنتقال من ثم إلى قسم اشتمل على تقديم دراسة موسعة لأشهر شعراء الجاهلية، شعراء ساهموا في إبقاء الشعر الجاهلي حيّاً، تتناقله الأجيال، حاضراً من خلال قصائد برهنت على أن الشعر الجاهلي هو بحق يمتلك مقومات الإبداع: نصّاً، ومعنًى، وقافية، وإحساس، ونظماً، فكان لهؤلاء الشعراء الجاهليين المبدعين حظاً في استقلال كل واحد منهم فصلاً من فصول هذه الدراسة: ١٤- امرؤ القيس بن حجر، ١٥- النابغة الذبياني، ١٦- طرفة بن العبد، ١٧- عبيد بن ربيعة، ١٨- الأعشى الأكبر، ١٩- زهير بن أبي سلمى، ٢٠- أوس بن حجر، ٢١- عنترة بن شداد، ٢٢- الخنساء، ٢٣- عمرو بن كلثوم، ٢٤- الخطيئة.
فكان لكل شاعر من هؤلاء الشعراء دراسة تناولت حياته أخباره وشعره في تميزه. إقرأ المزيد