بواكير الطب الحديث ؛ كنوز الصحة ويواقيت المنحة
(0)    
المرتبة: 183,637
تاريخ النشر: 11/01/2006
الناشر: دار الفارابي
نبذة نيل وفرات:نشأ مفهوم التضاد في الخلق من ازدواجية الكائنات، فالخير قابله الشر كما الصحة قابلها المرض. وفي بحث الإنسان عن الحلول الوسطى ما بين هذه الازدواجية نشأت المعرفة، المعرفة التواقة دوماً نحو الخير.
امتزجت العلوم ببعضها البعض لتكون شجرة المعرفة وامتدت فورعها، فكانت العلوم. ومع امتدادها تفرعت أكثر. في بداية امتدادها ...امتزج الطب بالفلسفة والدين، لأن الإنسان يشكل المحور الرئيسي في كل منها، عني الطب بالجسد بينما عني الدين والفلسفة بالنفس والروح والعقل معاً. فكانوا كلاً لا يتجزأ وكان نتاج أي منها يرتبط بالآخر، ومع الوقت ابتعدت الفروع عن بعضها ليكون كل منها جزءاً منفصلاً عن الآخر.
ظهر أبقراط فكان صاحب الفضل الأول في فصل الطب عن الفلسفة والدين حيث قال: "إن النظريات الفلسفية لا علاقة لها بالطب ولا مكان لها منه، وإن العلاج يجب أن يقوم على شدة العناية بالملاحظة وعلى تسجيل كل حالة من الحالات وكل حقيقة من الحقائق تسجيلاً دقيقاً", لذلك كان أهم ما أتى به أبقراط هو تحديد الأعراض التي ترافق مختلف الأمراض، فاعتمد في نظامه على التغذية والحمية ومزاولة الرياضة الجسدية أكثر من اعتماده على العقاقير، فنراه يقول: "إن الطبيعة –أي قوى الجسم وبنيته- هي أهم علاج لكل مرض أياً كان نوعه، وإن كل ما يستطيع الطبيب أن يفعله هو أن يقلل أو يزيل العقبات القائمة في طريق هذين الدفاع والشفاء الطبيعيين". نرى الطريقة الأبقراطية لا تستخدم العقاقير في العلاج إلا قليلاً وأكثر ما تعتمد عليه هو الهواء النقي والمقيئات والأقماع والحقن الشرجية والحجامة والإدماء والكمادات والمراهم والتدليك والمياه المعدنية.
من هذه النقطة الرئيسية انطلق كلوت بك في كتابه "كنوز الصحة" فلقب بحق أبقراط زمانه وأفلاطون أقرانه. ومن تأثره بأبي الطب أبقراط أعطى لكتابه عمقاً ورونقاً في أسلوبه السهل، الواضح، الموضوعي، فأتاح للإنسان العادي كما للطبيب فهم وظائف الأعضاء من الناحية التشريحية والفيزيولوجية في آن. فأتى كتابه تحفة يتفحصها الأخصائي وغير الأخصائي، لما يحتويه من معلومات وفوائد على قدر كبير من الأهمية، فلم يغفل في أي من أقسامه أية ناحية طبيعية كانت أو اجتماعية أو نفسية، لذلك جاء جامعاًن ومنظماً، وموضوعياً وقيماً.
وبالعودة لمضمون كتابه هذا نجد أن كلوت بك قد جمع كتابه من مشاهير الكتب الطبية، وأكثر ما اعتمد على أبي الطب "أبقراط" الحكيم، فانتقى من مسائل الطب أسهلها وأعذبها مورداً.
تعرض الكاتب قبل الشروع في ذكر الأعراض إلى تعريف الأجزاء التي يتركب منها الجسم، وتعريف وظائف الأعضاء في حال الصحة، منطلقاً من وجوب معرفة الطبيب لكيفية عمل تلك الأعضاء ووظائفها، مركزاً على وجوب معرفة الطبيب بعلم التشريح، الذي يعتبره أساساً لعلم الطب، وبدونه لا يمكن معرفة موضع المرض في الجزء المصاب في العضو. فذكر في كتابه أهم ما في علم التشريح والذي باستطاعة حتى من هو خارج مدرسة الطب معرفته وفهمه.
اعتبر كلوت بك علم التشريح المدخل الرئيسي للولوج إلى كل العلوم الطبية، فالجسم عبارة عن آلة مكونة من عدة أجزاء، يرتبط عمل كل منها بعمل الآخر ويتممه. ولمعرفة وظيفة أي جزء وجب معرفة وظيفة الجزء الآخر. كما اعتبر أن عدم الإلمام بعلم التشريح في البلاد الشرقية كان السبب الأساس لفقدان الأطباء المهرة.
نقل كلوت بك عن "أبقراط" إيمانه بالعدوى في أمراض كثيرة وجعل العقل المركز الرئيسي المحرك لكل أعضاء البدن.
يقع الكتاب في ستة أقسام رئيسية فضلاً عن المقدمة التي تضمنت تاريخ إنشاء المارستانات في مصر، والتمهيد الذي عني بعلم التشريح ووظائف الأعضاء معتبراً التشريح مدخلاً لكل العلوم الطبية الأخرى: القسم الأول: في قانون الصحة، القسم الثاني: في الإسعافات اللازمة للنفساء والأطفال المولودين جديداً، القسم الثالث: في شرح الأمراض الرئيسية الباطنة وعلاجها، القسم الرابع: في شرح الأمراض الظاهرية أي الجراحة. القسم الخامس: في الإسعافات اللازمة للمسمومين والمختنقين، القسم السادس: في معرفة التراكيب الدوائية والأدوية المستعملة لعلاج الأمراض المذكورة في مطالب الكتاب. إقرأ المزيد