ظاهرة الزمن في الشعر العربي القديم
(5)    
المرتبة: 42,461
تاريخ النشر: 01/06/2006
الناشر: دار الحداثة للطباعة والنشر
توفر الكتاب: نافـد (بإمكانك إضافته إلى عربة التسوق وسنبذل جهدنا لتأمينه)
نبذة نيل وفرات:تفتح هذه الدراسة مدخلاً جديداً، ومميزاً إلى الدراسات الأدبية المتأكدمة، لأنها تعتبر أول دراسة أدخلت في سياق أبحاثها المتواصلة، عامل الزمن، ومؤثرات مواقيته المتباينة في الشعر العباسي. من خلال دراسة شعر هذين الشاعرين وهما: "بشار بن برد وأبو نواس"، اللذين عاشا في العصر العباسي الأول الذي يعتبر عند جميع ...دارسيه، من أزهى العصور الأدبية في الشعر العربي القديم.
وحيث إن للزمن من قوة وجودية قاهرة، ومؤثرة في نفسية الإنسان، وفي طبيعة حياته، منذ لحظة مولده حتى مماته. وحيث إن الإنسان هو كائن زمني، يعيش في كنف الزمن، ويتحدد معنى وجوده بأحوال وظروف زمنية معينة، فإن وجوده، يصبح عملية زمنية، تخضع للحالات النفسية التي يعانيها، ولموقفه من طبيعة وجوده القائم على جدلية التجربة الإنسانية المعاشة، وعلاقته بالآخرين.
ومن خلال معرفة الزمن بمواقيته، وارتباطه بموقف الإنسان من وجوده، توصلت هذه الدراسة إلى تعريف معنى الزمن لغة واصطلاحاً، وتحديد مواقيته المتعددة، والمتباينة في طولها وقصرها، ومن ثم الوقوف على أقسامه، كما عرفها بعض علماء النفس، ورجال الفكر المعاصرون، مسلطة الضوء على بعض هذه الأقسام التي تخدم البحث، ومنها الزمن الفيزيولوجي، والسيكولوجي، والوجودي، التي شكلت مرجعاً نظرياً كشف طبيعة حياة الطفولة المنكودة عند الشاعرين، والمحرومة من رعاية الأبوة، ومن عطف الأمومة، وإظهار ما تركه هذا الإهمال من عوائق، تركت آثارها السيئة في حياتهما، وفي شعر كل منهما: فتبين أول ما تبين، بصورة عامة، أن فكرة الموت هي الفكرة الأساسية التي يتمحور حولها زمن الشعر العربي، وأن الحياة الدنيا ما هي إلا كرفة جفن في أعين الزمن الذي "يمضي بالأصاغر والأكابر" وبكل إنسان على جسر عبور من ضفة الحياة إلى وهدة الموت، وهكذا يلتقي بشار وأبو نواس، مع من سبقهما من الشعراء في نظرتهما إلى الحياة، وفي موقفهما من الزمن لتحديد أقسامه، وآناته... كون الزمن يستقطب حالات نفس كل منهما في تموجها بين مأساة العيش، وتخبطها بين الوهم واليقين، وبين تعبيرها عن الوهم الوجودي والاغتراب، وبين مطالبهما الجائعة إلى إشباع اللذات المادية والجنسية، والمباهج الوجدانية، وبين المكان والزمان المنغلقين على إحساسهما بالعجز والإحباط، والشعور بالتمرد ودوافع الصراع، لذلك ثار كل منهما على واقعه المرير، متحدياً كل ما هو موروث من العادات والتقاليد الاجتماعية والقيم الأخلاقية، وعلى كل ما هنالك من أعراف، يخالفانها في سلوكهما وأقوالهما، ويهزآن ممن أرادوها عيشاً مشتركاً، ومحاولاً كلاهما اتخاذ مواقف وجودية عابثة، تمثلت في بعدها بالدعوة إلى الإباحية الجنسية، والاستهزاء بشعائر الدين، والاعتكاف إلى احتساء الخمرة علّها تنسيهما همومهما.
ومهما يكن من أمر، فإن هذه الدراسة التي قامت على حركية الزمن، بكل أبعاده، ومراميه، وتحولاته في الذات الشاعرة، قد تفتح أبواباً في المستقبل، لدراسة الزمن وتفاعله بالفعل الوجداني الذي لا ينفصل عن الذات التي تعيش التجربة الإنسانية وسماءلتها عن وجودها، والغوص فيها لكشف حقيقة حضورها الفاعل في محيطها، وعندئذ تصبح هذا الكتابة موضوعاً لدراستها في كل زمان ومكان، كونها كتابة تغايرية، مدركة لوعي ذاتها من حضورها المعاش، ومن معرفة طاقتها القادرة على التواصل، لتكون مجالاً للإبداع. وبذلك تنتفي تسمية الكتابة بالعصور التاريخية، لأنها تأخذ أبعادها من جديد بفعل طاقتها الإنسانية المتحولة والقادرة على التفاعل مع الذات.
وهذه الكتابة التي تقوم على حركية الزمن في الإنسان، فإنها لا بد أن تعبر في المطلق، عن نوازع نفسه التي يتنازعها فعل التمزق بين الرغبة والعجز من تحقيقها، وبين الشك واليقين، وبين الإقدام والتخاذل، وبين فساد الزمن والشعر الخالد، وعندئذ يمكن للباحث تسليط الضوء على المواقف المتردية، والمتخاذلة، لتحرير الإنسان من رواسب الأوهام والخوف، وللخروج به من تبسيطات الإدانة، ومن كل اتباعية تحد من حرية تفكيره في مواقفه من الوجود والحياة. إقرأ المزيد