تاريخ النشر: 01/01/1997
الناشر: دار الثقافة
نبذة نيل وفرات:أحدثت اللسانيات ثورة هامة في دراسة اللغة، وكان لها بالغ الأثر على العلوم الإنسانية سواء على مستوى النتائج أو على مستوى البحث, هذه الثورة انطلقت شرارتها الأولى مع "دروس في اللسانيات العامة" لفردينان دي سوسير. وما لبثت أن اتسعت دائرة البحث مع بروز أسماء أعطت لهذا الحقل المعرفي مشروعيته ...وسعت إلى تأكيد عمليته ضمن العلوم الإنسانية: بنفنست، هاليداي، يمشليف، تشومسكي، وآخرون ممن ركزا على اللغة والشروط التي تسهم في إنتاجها، بما هي أداة تواصل على المستوى السيميولوجي.
ولم يتوقف هذا الاهتمام عند حدود التواصل أو دراسة العوامل المساعدة على اكتساب اللغة مثل ما حصل مع المدرسة السلوكية مع سكينر أو التصورات التي قدمها تشومسكي. بل إن ذلك طال دراسة النص الأدبي بما هو تحقق لغوي وملفوظ بين مؤلف ضمني وقارئ مفترض.
وقد بدأ الاتجاه اللساني في تحليل النصوص مع الشكلانيين الروس، الذين عنوا بقضايا الشكل، معتبرين أن النص الأدبي ليس نقلاً لخيال الأديب وبيئته.
ولأن النص الأدبي نسيج من الأداء اللغوي، ولأنه هو الذي يتكلم على حد تعبير بارث، فهذا الكلام تنتجه اللغة كأداة تحدد تشكيله ومعماريته، وكآلية لإنتاج المعنى، من هنا كان لزاماً الانطلاق من هذه الأداة بهدف الوصول إلى الدلالة. في هذا السياق تأتي اللسانيات كدراسة علمية لهذا الوعاء لاستجلاء تمظهراته الحسية.
على أن هذه الدلالة تظل محدودة وغير منجزة ما لم يتم ربطها بالسياق الاجتماعي الذي ولد النص. وفي هذا الإطار تشكل السوسيو لسانيات، كفرع ضمن اللسانيات، منهجاً مميزاً لربط النص بسياقه، باعتبار أن المعين الذي يغرف منه الروائي معين مشترك بينه وبين الجماعة.
ذلكم هو التصور الذي يقدمه روجر فاولر في هذا الكتاب. لكن من أين تنطلق هذا الباحث؟ ينطلق فالر من التناظر القائم بين الجملة والنص على مستوى التحليل اللساني، معتبراً أن النص جملة طويلة يتعين دراستها لسانياً مثل دراسة الجملة، من حيث كونها مؤسسة على مقولات بنيوية تشترك فيها مع عناصر بنية الجملة. ويرى أن اختيار الروائي لصيغة تركيبية بدل أخرى، ليس اختياراً اعتباطياً، بل يخدم البنية العميقة للنص، وبالتالي يكون مساعداً على اكتناه الدلالة. تأسيساً على ذلك يعتبر التقنية الأساس الوحيدة لفهم طبيعة التخييلات النثرية. وهذه التقنية إبداع في اللغة، التي هي في نهاية المطاف وعاء لقد راهنت الرواية ، كما يرى، على تجديد التقنية، ومن ثم كان مهما الوقوف عندها لفك ما استغلق في النص.
غير أن فالر لا يحصر منهجه في حدود حقل معرفي واحد، بل لأجل تكامليته، ينتقى أدواته الإجرائية من اللسانيات، البنيوية، والأسلوبية... الخ هذا التداخل المعرفي يهدف إلى إقصاء الصرامة في التعامل مع النص الروائي وينشد الليونة. على أن فاولر يذهب إلى مدى أبعد في ربط النص بأنساق المعرفة داخل الجماعة التي أنتجت النص وقراءه.
هدف هذه الترجمة، إذن، هو تقديم هذا المنهج الانتقائي لمساءلة النص الروائي العربي، والتخييل النثري بصفة عامة. فالمشهد النقدي العربي مازال يشكو من ندرة الدراسات اللسانية في الإبداع القصصي. ونعتقد أن هذا المنهج سيسد فراغاً ويفتح باباً آخر بتقديمه لمفاهيم وأدوات إجرائية تطبعها الدقة والمرونة، وتتعامل مع كل تخييل بشكل يحاذر الانزلاق في التعسف أو في التأويل المبتذل. إقرأ المزيد